وَعَنْ بَعْضِهم, قَالَ: الْتَقَى الجَمعَانِ, فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ الصَّفَّ إِذَا انْهَزَمَ, تَدَاعَى, فَاجْعَلْنَا كَرَادِيسَ. فَتَنَادَى أَصْحَابُه: لاَ, لاَ, وَقُلْتُ: إِنَّهُم مُصَبِّحُوكَ فِي أَكمَلِ سِلاَحٍ وَكُرَاعٍ, وَمَعَكَ عُرَاةٌ, فَدَعنَا نُبَيِّتْهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي أَكرَهُ القَتْلَ. فَقَالَ: تُرِيْدُ الخِلاَفَةَ, وَتَكرَهُ القَتْلَ؟ - وَبَاخَمْرَا عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الكُوْفَةِ- فَالتَحَمَ الحَرْبُ, وَانْهَزَمَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ, فَتَدَاعَى الجَيْشُ, فَنَاشَدَهُم عِيْسَى, فَمَا أَفَادَ, وَثَبَتَ هُوَ فِي مائَةِ فَارِسٍ. فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ تَنَحَّيتَ؟ قَالَ: لاَ أَزُولُ حَتَّى أُقتَلَ, أَوْ أُنْصَرَ, وَلاَ يُقَالَ: انْهَزَمَ.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ يُصغِي إِلَى النُّجُوْمِ, وَلاَ يَتَأَثَّمُ مِنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ لِعِيْسَى: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ لاَقِيْهِ, وَإِنَّ لَكَ جَولَةً, ثُمَّ يَفِيءُ إِلَيْكَ أَصْحَابُه. قَالَ عِيْسَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا مَعِي إلَّا ثَلاَثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ غُلاَمِي: عَلاَمَ تَقِفُ؟! قلت: وَاللهِ لاَ يَرَانِي أَهْلُ بَيْتِي مُنْهَزِماً, فَإِنَّا لَكَذَلِكَ, إِذْ صَمَدَ ابْنَا سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ لإِبْرَاهِيْمَ, فَخَرَجَا مِنْ خَلْفِهِ, وَلَوْلاَهُمَا لافْتُضِحْنَا, وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمَّا انْهَزَمُوا, عَرَضَ لَهُم نَهْرٌ, وَلَمْ يَجِدُوا مَخَاضَةً, فَرَجَعُوا, فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيْمَ, وَثَبَتَ هُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ. وَقِيْلَ: بَلْ فِي سَبْعِيْنَ. وَاشتَدَّ القِتَالُ, وَتَطَايَرَتِ الرُّؤُوْسُ, وَحَمِيَ الحَرْبُ, إِلَى أَنْ جَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ, لاَ يُعْرَفُ رَامِيهِ فِي حَلقِ إِبْرَاهِيْمَ, فَتَنَحَّى, وَأَنْزَلُوْهُ, وَهُوَ يَقُوْلُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأَحْزَابُ: 38] , أَرَدْنَا أَمراً وَأَرَادَ اللهُ غَيْرَه, فَحَمَاهُ أَصْحَابُه, فَأَنْكَرَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ اجْتِمَاعَهُم وَحَمَلَ عَلَيْهِم فَانْفَرَجُوا، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ فَنَزَلَ طَائِفَةٌ فَاحْتَزُّوا رَأْسَه رَحِمَهُ اللهُ وَأُتِيَ بِالرَّأْسِ إِلَى عِيْسَى فَسَجَدَ وَنَفَّذَه إِلَى المَنْصُوْرِ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَعَاشَ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَقِيْلَ: كَانَ عَلَيْهِ زَرَدِيَّةٌ فَحَسَرَ مِنَ الحَرِّ، عَنْ صَدْرِه فَأُصِيْبَ وَكَانَ قَدْ وَصَلَ خَلقٌ مِنَ المُنهَزِمِيْنَ إِلَى الكُوْفَةِ وَتَهَيَّأَ المَنْصُوْرُ وَأَعَدَّ السُّبَّقَ لِلْهَرَبِ إِلَى الرَّيِّ فَقَالَ لَهُ: نُوْبَخْتُ المُنَجِّمُ الظَّفَرُ لَكَ فَمَا قَبِلَ مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ الفَجْرُ أتاه الرأس فتمثل بقول معقر الباقري:
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْناً بِالإِيَابِ المُسَافِرُ
قَالَ خَلِيْفَةُ: صَلَّى إِبْرَاهِيْمُ العِيْدَ بِالنَّاسِ أَرْبَعاً, وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ, وَهُشَيْمٌ, وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ, وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ, وَيَزِيْد بنُ هَارُوْنَ, وَلَمْ يَخْرُجْ شُعْبَةُ, وَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَأمُرُ بِالخُرُوْجِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: مَا بِالبَصْرَةِ إلَّا مَنْ تَغَيَّرَ أَيَّامَ إِبْرَاهِيْمَ إلَّا ابن عون.
وَحَدَّثَنِي مَيْسُوْرُ بنُ بَكْرٍ, سَمِعَ عَبْدَ الوَارِثِ يَقُوْلُ: فَأَتَيْنَا شُعْبَةَ, فَقُلْنَا: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: