إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، عَنْ مَعْنٍ, قَالَ: كَانَ مَالكٌ إِذَا قِيْلَ لَهُ: مَغَازِي مَنْ نَكْتُبُ? قَالَ: عَلَيْكُم بِـ "مَغَازِي مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ" فَإِنَّهُ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ المُنْذِرِ أَيْضاً: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ, وَمَعْنٌ, وَمُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ قَالُوا: كَانَ مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ، عَنِ المَغَازِي؟ قَالَ: عَلَيْكَ "بمغازي" الرَّجُلِ الصَّالِحِ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ, فَإِنَّهَا أَصَحُّ المَغَازِي. وَقَالَ أَيْضاً: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ, سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: عَلَيْكُم بِـ "مَغَازِي مُوْسَى" فَإِنَّهُ رَجُلٌ ثِقَةٌ, طَلبهَا عَلَى كِبَرِ السِّنِّ, لِيُقَيِّدَ مَنْ شَهِدَ مَعَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يُكثِّرْ كَمَا كَثَّرَ غَيْرُهُ.
قُلْتُ: هَذَا تَعرِيْضٌ بِابْنِ إِسْحَاقَ, وَلاَ ريب ابْنَ إِسْحَاقَ كثَّرَ وَطوَّلَ بِأَنْسَابٍ مُسْتَوْفَاةٍ, اخْتصَارُهَا أَملحُ, وَبأَشعَارٍ غَيْرِ طَائِلَةٍ, حَذفُهَا أَرْجَحُ, وَبآثَارٍ لَمْ تُصحَّحْ, مَعَ أَنَّهُ فَاتَهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحِيْحِ, لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ, فَكِتَابُهُ مُحْتَاجٌ إِلَى تَنقِيحٍ وَتَصْحِيْحٍ, وَرِوَايَةِ مَا فَاتَهُ.
وَأَمَّا "مَغَازِي مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ": فَهِي فِي مُجَلَّدٍ لَيْسَ بِالكَبِيْرِ, سَمِعنَاهَا, وَغَالِبُهَا صَحِيْحٌ, وَمُرْسَلٌ جَيِّدٌ, لَكِنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ, تَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ, وَتَتِمَّةٍ.
وَقَدْ أَحْسَنَ فِي عَملِ ذَلِكَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ فِي تَألِيْفِهِ المُسَمَّى بِكِتَابِ "دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ".
وَقَدْ لَخَّصتُ أَنَا التَّرجمَةَ النَّبوِيَّةَ, وَالمَغَازِي المَدَنِيَّةَ فِي أَوَّلِ "تَارِيْخِي الكَبِيْرِ", وَهُوَ كَامِلٌ فِي مَعنَاهُ -إِنْ شَاءَ اللهُ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ, قَالَ: كَانَ بِالمَدِيْنَةِ شَيْخٌ يُقَالَ لَهُ: شُرَحْبِيْلُ أَبُو سَعْدٍ, وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالمَغَازِي قَالَ: فَاتَّهمُوْهُ أَنْ يَكُوْنَ يَجْعَلُ لِمَنْ لاَ سَابقَةَ لَهُ سَابقَةً, وَكَانَ قَدِ احْتَاجَ فَأَسقطُوا مَغَازِيهِ, وَعِلْمَهُ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: فَذَكَرْتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ طلحة بن الطويل, ولم يكن أحدًا أَعْلَمَ بِالمَغَازِي مِنْهُ فَقَالَ لِي: كَانَ شُرَحْبِيْلُ أَبُو سَعْدٍ عَالِماً بِالمَغَازِي فَاتَّهمُوْهُ أَنْ يَكُوْنَ يُدْخِلُ فِيْهِم مَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدراً وَمَنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ, وَالهِجْرَةَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُم وَكَانَ قَدِ احْتَاجَ فَسَقَطَ عِنْدَ النَّاسِ فَسَمِع بِذَلِكَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ فَقَالَ: وَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَرَؤُوا عَلَى هَذَا? فَدبَّ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ وَقَيَّدَ مَنْ شَهِدَ بَدراً وَأُحُداً وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ, وَالمَدِيْنَةِ وَكَتَبَ ذَلِكَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ, سَمِعْتُ المِسْوَرَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ المَخْزُوْمِيَّ يَقُوْل لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! فُلاَنٌ كلَّمَنِي يَعرِضُ عَلَيْكَ, وَقَدْ شَهِدَ جدُّهُ بَدراً. فَقَالَ مَالِكٌ: لاَ تَدْرِي مَا يَقُوْلُوْنَ, مَنْ كَانَ فِي "كِتَابِ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ" قَدْ شَهِدَ بَدراً, فَقَدْ شَهِدَهَا, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي "كِتَابِ مُوْسَى" فَلَمْ يَشْهَدْ بَدراً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: "كِتَابُ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ" عَنِ الزُّهْرِيِّ: مِنْ أَصَحِّ هَذِهِ الكُتُبِ.