مَنْ كَانَ يَنْوِي أَهْلَهُ فَلاَ رَجَعْ ... فَرَّ مِنَ المَوْتِ وَفِي المَوْتِ وَقَعْ

ثُمَّ إِنَّهُ أَردَفَ مَيْمَنَتَه, وَحَمَلُوا عَلَى مَيْسَرَةِ عَبْدِ اللهِ, فَمَزَّقُوْهَا فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لابْنِ سُرَاقَةَ الأَزْدِيِّ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَصبِرَ وَتُقَاتِلَ, فَإِنَّ الفِرَارَ قَبِيْحٌ بِمِثْلِكَ, وَقَدْ عِبْتَهُ عَلَى مَرْوَانَ قَالَ: إِنِّي أَذهَبُ إِلَى العِرَاقِ. قَالَ: فَأَنَا مَعَكم. فَانْهَزَمُوا وَتَرَكُوا الذَّخَائِرَ وَالخَزَائِنَ وَالمُعَسْكَرَ, فَاحْتَوَى أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى الكُلِّ, وَكَتَبَ بِالنَّصرِ إِلَى المَنْصُوْرِ.

وَاخْتَفَى عَبْدُ اللهِ, وَأَرْسَلَ المَنْصُوْرُ مَوْلاَهُ لِيُحصِيَ مَا حَوَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو المُسْلِمِ, وَهَمَّ بِقَتْلِ ذَلِكَ المَوْلَى, وَقَالَ: إِنَّمَا لِلْخَلِيْفَةِ مِنْ هَذَا الخُمْسُ.

وَمَضَى عَبْدُ اللهِ وَأَخُوْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ علي إلى الكوفة, فدخلا على عيسى ابن مُوْسَى, وَلِيِّ العَهْدِ, فَاسْتَأمَنَ لِعَبْدِ الصَّمَدِ فَأَمَّنَهُ المَنْصُوْرُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَقَصَدَ أَخَاهُ سُلَيْمَانَ بنَ عَلِيٍّ بِالبَصْرَةِ، وَأَقَامَ عِنْدَه مُخْتَفِياً.

وَلَمَّا عَلِمَ المَنْصُوْرُ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ قَدْ تَغَيَّرَ كَتَبَ إِلَيْهِ يُلاَطفُه وَإِنِّي قَدْ وَلَّيتُكَ مِصْرَ وَالشَّامَ فَانْزِلْ بِالشَّامِ، وَاسْتَنِبْ عَنْكَ بِمِصْرَ فَلَمَّا جَاءهُ الكِتَابُ أَظهَرَ الغَضَبَ، وَقَالَ يُوَلِّيْنِي هَذَا، وَخُرَاسَانُ كُلُّهَا لِي، وَشَرعَ فِي المُضِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ شَتمَ المَنْصُوْرَ, وَأَجمَعَ عَلَى الخِلاَفِ, وَسَارَ وَخَرَجَ المَنْصُوْرُ إِلَى المَدَائِنِ, وَكَاتَبَ أَبَا مُسْلِمٍ لِيَقْدَمَ عَلَيْهِ, فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُسْلِمٍ, وَهُوَ قَاصِدٌ طَرِيْقَ حُلْوَانَ: إِنَّهُ لَمْ يَبقَ لَكَ عَدُوٌّ إلَّا أَمْكَنَكَ اللهُ مِنْهُ, وَقَدْ كُنَّا نَروِي، عَنْ مُلُوْكِ آلِ سَاسَانَ إِنَّ أَخَوْفَ مَا يَكُوْنَ الوُزرَاءُ إِذَا سَكَنَتِ الدَّهْمَاءَ فَنَحْنُ نَافرُوْنَ مِنْ قُربِكَ حَرِيْصُوْنَ عَلَى الوَفَاءِ بِعَهْدِكَ مَا وَفَيْتَ فَإِنْ أَرْضَاكَ ذَلِكَ فَأَنَا كَأَحسَنِ عَبِيْدِكَ وَإِنْ أَبَيْتَ نَقَضتُ مَا أبرمت من عهدك ضنًا بنفسي والسلام.

فَردَّ عَلَيْهِ الجوَابَ يُطَمْئِنُه وَيُمَنِّيْهِ مَعَ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَرِيْرٍ البَجَلِيِّ, وَكَانَ دَاهِيَةَ وَقْتِهِ فَخَدَعَهُ وَرَدَّهُ.

وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ فَنقلَ، عَنْ جَمَاعَةٍ, قَالُوا: كَتَبَ أَبُو المُسْلِمِ: أَمَّا بَعْدُ, فَإِنِّي اتَّخَذتُ رَجُلاً إِمَاماً وَدَلِيْلاً عَلَى مَا افْترضَهُ اللهُ, وَكَانَ فِي مَحلَّةِ العِلْمِ نَازلاً, فَاسْتَجْهَلَنِي بِالقُرْآنِ فَحرَّفَهُ، عَنْ مَوَاضِعِهِ, طَمعاً فِي قَلِيْلٍ قَدْ نَعَاهُ اللهُ إِلَى خلقِه, وَكَانَ كَالَّذِي دُلِّيَ بِغرُوْرٍ وَأَمرنِي أَنْ أُجرِّدَ السَّيْفَ وَأَرْفَعَ الرَّحْمَةَ فَفَعَلتُ تَوطِئَةً لِسُلْطَانِكم ثُمَّ اسْتنقذنِي اللهُ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ يَعفُ عَنِّي فَقِدَماً عُرفَ بِهِ وَنُسبَ إِلَيْهِ, وَإِنْ يُعَاقِبْنِي, فَبمَا قَدَّمتْ يَدَايَ.

ثُمَّ سَارَ نَحْوَ خراسان مرغمًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015