قِيْلَ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ مائَةٍ, وَأَوَّلُ ظُهُوْرِهِ كان بمرو في شهر رمضان يوم الجُمُعَةِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ, وَمُتَوَلِّي خُرَاسَانَ إِذْ ذَاكَ الأَمِيْرُ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ اللَّيْثِيُّ نَائِبُ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ الحِمَارِ خَاتِمَةُ خُلَفَاءِ بَنِي مَرْوَانَ ... , إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ ظُهُوْرُهُ يَوْمَئِذٍ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً, وَآلَ أَمرُهُ إِلَى أَنْ هَرَبَ مِنْهُ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ قَاصِداً العِرَاقَ, فَنَزَلَ بِهِ المَوْتُ بِنَاحِيَةِ سَاوَةَ, وَصَفَا إِقْلِيْمُ خُرَاسَانَ لأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعوَةِ فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِيْنَ شَهْراً.
قَالَ: وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ أَهْلِ رُسْتَاقِ فريذينَ, مِنْ قَرْيَةٍ تُسَمَّى: سنجردَ, وَكَانَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا مُلْكاً لَهُ, وَكَانَ يَجلِبُ فِي بَعْضِ الأَوقَاتِ مَوَاشِيَ إِلَى الكُوْفَةِ, ثُمَّ إِنَّهُ قَاطَعَ عَلَى رُسْتَاقِ فريذينَ -يَعْنِي: ضَمِنَهُ- فَغَرِمَ, فَنَفَذَ إِلَيْهِ عَامِلُ البَلَدِ مَنْ يُحْضِرُهُ فَهَرَبَ بِجَارِيَتِهِ وَهِيَ حُبْلَى, فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا فَطَلَعَ ذَكِيّاً وَاخْتَلَفَ إِلَى الكُتَّابِ وَحَصَّلَ. ثُمَّ اتَّصَلَ بِعِيْسَى بنِ مَعْقِلٍ, جَدِّ الأَمِيْرِ أَبِي دُلَفٍ العِجْلِيِّ, وَبأَخِيْهِ إِدْرِيْسَ بنِ مَعْقِلٍ فَحَبَسَهُمَا أَمِيْرُ العِرَاقِ عَلَى خَرَاجٍ انْكَسَرَ فَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمَا إِلَى السِّجْنِ وَيَتَعَهَّدُهُمَا وَذَلِكَ بِالكُوْفَةِ فِي اعْتِقَالِ الأَمِيْرِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيِّ, فَقَدِمَ الكُوْفَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ نُقَبَاءِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ وَالِدِ المَنْصُوْرِ, وَالسَّفَّاحِ فَدَخَلُوا عَلَى الأَخَوَيْنِ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهمَا فَرَأَوْا عِنْدَهُمَا أَبَا مُسْلِمٍ فَأَعْجَبَهُم عَقْلُهُ, وَأَدبُهُ, وَكَلاَمُهُ, وَمَالَ هُوَ إِلَيْهِم, ثُمَّ إِنَّهُ عَرَفَ أَمْرَهُم وَدَعْوَتَهُم يَعْنِي إِلَى بَنِي العَبَّاسِ ,ثُمَّ هَرَبَ الأَخَوَانِ عِيْسَى وَإِدْرِيْسُ مِنَ السِّجْنِ فَلَزِمَ هُوَ النُّقَبَاءَ وَسَارَ صُحْبَتَهُم إِلَى مَكَّةَ فَأَحضَرُوا إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ الإِمَامِ وَقَدْ مَاتَ الإِمَامُ مُحَمَّدٌ عِشْرِيْنَ أَلْفَ دينار ومئتي أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَهْدَوْا لَهُ أَبَا مُسْلِمٍ فَأُعْجِبَ بِهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ لَهُم هَذَا عُضْلَةٌ مِنَ العُضَلِ. فَأَقَامَ مُسْلِمٌ يَخدِمُ الإِمَامَ إِبْرَاهِيْمَ وَرَجَعَ النقباء إلى خراسان.
فقال: إني جَرَّبْتُ هَذَا الأَصْبَهَانِيَّ, وَعَرَفتُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ فَوَجَدتُهُ حَجَرَ الأَرْضِ ثُمَّ قَلَّدَهُ الأَمْرَ, وَنَدَبَهُ إِلَى المُضِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ.
قَالَ المَأْمُوْنُ: أَجلُّ مُلُوْكِ الأَرْضِ ثَلاَثَةٌ الَّذِيْنَ قَامُوا بِنَقْلِ الدُّوَلِ وَهُم الإِسْكَنْدَرُ وَأَزْدَشِيْرُ وأبو مسلم.
قال أبو القاسم بن عَسَاكِرَ: ذَكَرَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَوَّاسِ فِي "تَارِيْخِهِ" قَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ هُوَ وَحَفْصُ بنُ سَلَمَةَ الخَلاَّلُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الإِمَامِ فَأَمَرَهُمَا بِالمَصِيْرِ إِلَى خُرَاسَانَ وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بِالحُمَيْمَةِ1 مِنْ أَرْضِ البلقَاءِ, إِذْ ذاك سمع أبو مسلم من عكرمة.