وَنَقَلَ ابْنُ دَابٍ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ, فَأَدْنَى مَجْلِسَهُ, وَأَعْظَمَ جَائِزَتَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: أَبُو الأَسْوَدِ هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ بَابَ الفَاعِلِ, وَالمَفْعُوْلِ, وَالمُضَافِ وَحَرْفِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالجَرِّ وَالجَزْمِ, فَأَخَذَ ذَلِكَ عَنْهُ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَخَذَ أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عَلِيٍّ العَرَبِيَّةَ, فَسَمِعَ قَارِئاً يَقْرَأُ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه} بِكَسْرِ اللاَّمِ بَدَلاً عَنْ ضَمِّهَا-[التَّوْبَةُ: 3] ، فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَمْرَ النَّاسِ قَدْ صَارَ إِلَى هَذَا. فَقَالَ لِزِيَادٍ الأَمِيْرِ: ابْغِنِي كَاتِباً لَقِناً1 فَأَتَى بِهِ, فَقَالَ لَهُ أَبُو الأَسْوَدِ: إِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ فَتَحْتُ فَمِي بِالحَرْفِ, فَانْقُطْ نُقْطَةً أَعْلاَهُ, وَإِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ ضَمَمْتُ فَمِي, فَانْقُطْ نُقْطَةً بَيْنَ يَدَيِ الحَرْفِ وَإِنْ كَسَرْتُ, فَانْقُطْ نُقْطَةً تَحْتَ الحَرْفِ فَإِذَا أَتْبَعْتُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ غُنَّةً فَاجْعَلْ مَكَانَ النُّقْطَةِ نُقْطَتَيْنِ, فَهَذَا نَقْطُ أَبِي الأَسْوَدِ.
وَقَالَ المُبَرِّدُ: حَدَّثَنَا المَازِنِيُّ, قَالَ: السَّبَبُ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ أَبْوَابُ النَّحْوِ: أَنَّ بِنْتَ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَتْ لَهُ مَا أَشَدُّ الحَرِّ! فَقَالَ: الحَصْبَاءُ بِالرَّمْضَاءِ. قَالَتْ: إِنَّمَا تَعَجَّبْتُ مِنْ شِدَّتِهِ. فَقَالَ أَوَقَدْ لَحَنَ النَّاسُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَعْطَاهُ أُصُوْلاً بَنَى مِنْهَا, وَعَمِلَ بَعْدَهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَقَطَ المَصَاحِفَ, وَأَخَذَ عَنْهُ النَّحْوَ: عَنْبَسَةُ الفِيْلُ, وَأَخَذَ عَنْ عَنْبَسَةَ: مَيْمُوْنٌ الأَقْرَنُ, ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ مَيْمُوْنٍ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ, وَأَخَذَهُ عَنْهُ: عِيْسَى بنُ عُمَرَ وَأَخَذَهُ عَنْهُ الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ وَأَخَذَهُ عَنْهُ سِيْبَوَيْه وَأَخَذَهُ عَنْهُ سَعِيْدٌ الأَخْفَشُ2.
وَيَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سَلْمٍ البَاهِلِيُّ, حَدَّثَنَا أَبِي, عَنْ جَدِّي, عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ, قَالَ دَخَلْتُ عَلَى علي, فرأيته مطوقًا, فَقُلْتُ: فِيْمَ تَتَفَكَّرُ يَا أَمِيَرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ بِبَلَدِكُم لَحْناً فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ كِتَاباً فِي أُصُوْلِ العَرَبِيَّةِ. فَقُلْتُ: إِنْ فَعَلْتَ هَذَا, أَحْيَيْتَنَا. فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فَأَلْقَى إِلَيَّ صَحِيْفَةً فِيْهَا:
الكَلاَمُ كُلُّهُ اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، فَالاسْمُ: مَا أَنْبَأَ عَنِ المُسَمَّى، وَالفِعْلُ: مَا أَنْبَأَ عن حركة المسمى، والحرف: وما أَنْبَأَ عَنْ مَعْنَىً لَيْسَ بِاسْمٍ وَلاَ فِعْلٍ. ثُمَّ قَالَ لِي: زِدْهُ وَتَتَبَّعْهُ فَجَمَعْتُ أَشْيَاءَ ثم عرضتها عليه.