فَقَالَ: بِيْعُوْنِيْهِ، فَإِنَّهُ كِتَابُ اللهِ، أُحْسِنُ أَقْرَؤُهُ وَلاَ تُحْسِنُوْنَ, فَنَزَعْنَا دفَّتيه، فَأَخَذَهُ بِدِرْهَمَيْنِ. فلمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجْنَا إِلَى الشَّامِ، وَصَحِبَنَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَؤُهُ، وَيَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا أَشْبَهَ هَذَا المُصْحَفَ بِمُصْحَفٍ شَأْنُهُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ. قُلْتُ: فَأَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامَ أَوَّلَ، فَأَتَيْتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَهَذَا وجهي إليه. قلت: فأنا معك. فانطقلنا حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ كَعْبٍ، فَجَاءَ عِشْرُوْنَ مِنَ اليَهُوْدِ، فِيْهِم شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ بِحَرِيْرَةٍ، فَقَالُوا: أَوْسِعُوا أَوْسِعُوا. فَأَوْسَعُوا، وَرَكِبْنَا أَعْنَاقَهُم، فتكلَّموا. فَقَالَ كَعْبٌ: يَا نُعَيْمُ! أَتُجِيْبُ هَؤُلاَءِ، أَوْ أُجِيْبُهُم؟ قَالَ: دَعُوْنِي حَتَّى أفقِّه هَؤُلاَءِ مَا قَالُوا، إِنَّ هَؤُلاَءِ أَثْنَوْا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا خَيراً، ثُمَّ قَلَبُوا أَلْسِنَتَهُم، فَزَعَمُوا أنَّا بِعْنَا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، هلمَّ فَلنُوَاثِقْكُم، فَإِنْ جِئْتُم بِأَهْدَى مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ اتَّبَعنَاكُم، وَإِلاَّ قاتبعونا إِنْ جِئْنَا بِأَهْدَى مِنْهُ. قَالَ: فَتَوَاثَقُوا. فَقَالَ كَعْبٌ: أَرْسِلْ إِلَيَّ ذَلِكَ المُصْحَفَ, فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا بَيْنَنَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، لاَ يُحْسِنُ أَحَدٌ أَنْ يَكْتُبَ مِثْلَهُ اليَوْمَ. فَدَفَعَ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم، فَقَرَأَ كَأَسْرَعِ قَارِئٍ، فلمَّا بَلَغَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهُ، نَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ كَالرَّجُلِ يُؤذِنُ صَاحِبَهُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يه. فَنَبَذَهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: آهُ. وَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى آيَةٍ مِنْهُ فَخَرُّوا سُجَّداً، وَبَقِيَ الشَّيْخُ يبكي. قيل: ما يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: وَمَا لِي لاَ أَبْكِي، رَجُلٌ عَمِلَ فِي الضَّلاَلَةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَلَمْ أَعْرِفِ الإِسْلاَمَ حَتَّى كَانَ اليَوْمَ.

وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَبْنَا دَانِيَالَ بِالسُّوسِ فِي لَحْدٍ مِنْ صُفْرٍ، وَكَانَ أَهْلُ السُّوسِ إِذَا أَسْنَتُوا اسْتَخْرَجُوهُ فَاسْتَسْقَوْا بِهِ؛ وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْطَتَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ, وَسِتِّيْنَ جَرَّةً مَخْتُوْمَةً، فَفَتَحْنَا وَاحِدَةً فَإِذَا فِيْهَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْعَةً فِيْهَا كِتَابٌ، وَكَانَ مَعَنَا أَجِيْرٌ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمٌ، فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمَيْنِ.

ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ: وحدَّثني أَبُو حَسَّانٍ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ حُرْقُوْصٌ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوْسَى الرَّبْطَتَيْنِ، وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ, ثم إنه طلب أن يرد علي الرَّبْطَتَيْنِ، فَأَبَى, فَشَققَهَا عَمَائِمَ، وَكَتَبَ أَبُو مُوْسَى فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَعَا أَنْ لاَ يَرِثَهُ إِلاَّ المُسْلِمُوْنَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَادْفِنْهُ.

قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا فَرْقَدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيْمَةَ: أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ جَاءَ أَنِ اغْسِلْهُ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ.

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيْثِ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَبَدَا لِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطَّرِيْقِ، إِذَا أَنَا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نعم؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: مَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015