وَكَانَ يَطْلَبُ الطِّبَّ مِنْ كُلِّ مَنْ سُمِعَ لَهُ بِطِبٍّ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمَا مِنْ طِبٍّ لِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ؟ فَقَالاَ: أمَّا شَيْءٌ يُذْهِبُهُ فَلاَ نَقْدِرُ عَلَيْهِ, ولكنَّا سَنُدَاوِيْهِ دَوَاءً يُوْقِفُهُ فَلاَ يَزِيْدُ. فَقَالَ عُمَرُ: عَافِيَةٌ عَظِيْمَةٌ, فَقَالاَ: هَلْ تُنْبِتُ أَرْضُكَ الحَنْظَلَ, قَالَ: نَعَمْ. قَالاَ: فَاجْمَعْ لَنَا مِنْهُ, فَأَمَرَ فَجُمِعَ لَهُ مِلْءُ مِكْتَلَيْنِ عَظِيْمَيْنِ, فشَقَّا كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفَيْنِ, ثُمَّ أَضْجَعَا مُعَيْقِيْباً, وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرِجْلٍ, ثُمَّ جَعَلاَ يَدْلُكَانِ بُطُوْنَ قَدَمَيْهِ بِالحَنْظَلَةِ, حَتَّى إِذَا مُحِقَتْ أَخَذَا أُخْرَى, حَتَّى إِذَا رَأَيَا مُعَيْقِيْباً يَتَنَخَّمُهُ أَخْضَرَ مُرّاً أَرْسَلاَهُ.
ثُمَّ قَالاَ لِعُمَرَ: لاَ يَزِيْدُ وَجَعُهُ بَعْدَ هَذَا أَبَداً, قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زَالَ مُعَيْقِيْبٌ مُتَمَاسِكاً، لاَ يَزِيْدُ وَجَعُهُ حَتَّى مَاتَ.
صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: قَالَ أَبُو زِنَادٍ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ أنَّ عُمَرَ دَعَاهُمْ لِغَدَائِهِ فَهَابُوا, وَكَانَ فِيْهِمْ معيقيب -وكان به جذام- فأكل معيقيب مَعَهُم, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُلْ مِمَّا يَلِيْكَ وَمِنْ شِقِّكَ, فَلَوْ كَانَ غَيْرُكَ مَا آكَلَنِي فِي صَحْفَةٍ, وَلَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحٍ.
وَرَوَى الوَاقِدِيُّ, عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ, عَنْ أَبِيْهِ, عَنْ خَارِجَةَ نَحْوَهُ.
عَاشَ مُعَيْقِيْبٌ إِلَى خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
وَقِيْلَ: عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالفِرَارُ منَ المَجْذُوْمِ وَتَرْكُ مُؤَاكَلِتِهِ جَائِزٌ, لَكِنْ لِيَكُنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لاَ يَكَادُ يَشْعُرُ المَجْذُوْمُ, فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ. وَمَنْ وَاكَلَهُ -ثِقَةً بِاللهِ وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ- فَهُوَ مُؤْمِنٌ1.