فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ وَقَادَهُ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ فَلَقِيَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا? فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ إِنَّهُ عَدَا عَلَى حَسَّانٍ بِالسَّيْفِ فَوَاللهِ مَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ قَتَلَهُ فَقَالَ هَلْ عَلِمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا صَنَعْتَ بِهِ? فَقَالَ: لاَ. فقال: والله لقد اجترأت خل سبيله. فسنغدوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُعْلِمَهُ أَمْرَهُ فَخَلَّى سَبِيْلَهُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: "أَينَ ابْنُ المُعَطَّلِ"؟ فَقَامَ إليه فقال: ها أناذا يَا رَسُوْلَ اللهِ فَقَالَ: " مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ"؟ قَالَ: آذَانِي يَا رَسُوْلَ اللهِ وكثَّر عليَّ وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عرَّض بِي في الهجاء فاحتملني الغضب وها أناذا فَمَا كَانَ عليَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا لِي حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ" فَأُتِيَ بِهِ. فقال: "يا حَسَّانُ أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ يَقُوْلُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِم يَا حَسَّانُ أَحْسِنْ فِيْمَا أَصَابَكَ". قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِيْرِيْنَ القُبْطِيَّةَ. فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَعْطَاهُ أَرْضاً كَانَتْ لأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا أَبُو طَلْحَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ حَسَّانُ فِي عَائِشَةَ:
رَأَيْتُكِ وَلْيَغْفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ... مِنَ المُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيْلَ لَيْسَ بِلائِقٍ ... بِكِ الدهر بل قيل امرىء مُتَمَاحِلِ1
فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوْكُمْ كَمَا بَلَّغُوْكُمُ ... فَلاَ رَفَعَتْ سَوطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ وُوُدِّي مَا حَيِيْتُ وُنُصْرَتِي ... لآلِ رَسُوْلِ اللهِ زَيْنِ المَحَافِلِ
وَإِنَّ لَهُمْ عِزّاً يُرَى النَّاسُ دُوْنَهُ ... قِصَاراً وَطَالَ العِزُّ كُلَّ التَّطَاوُلِ
عَقِيْلَةُ حَيٍّ مِنْ لؤي بن غلب ... كِرَامِ المَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللهُ خِيْمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوْءٍ وباطل