ولما دخل إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وكان المذكور شديد التحري في الإسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام، قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي, قال: من أبو طاهر الذهبي؟ فقال له: المخلص، فقال: أحسنت، فقال: من أبو محمد الهلالي؟ قال: سفيان بن عيينة، قال: أحسنت، اقرأ، ومكنه من القراءة عليه حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء.
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي، وأبي الحسن يحيى بن أحمد بن الصواف، وغيرهما.
وبمكة من التوزري وغيره.
وبحلب من سنقر الزيني وغيره.
وبنابلس من العماد بن بدران.
وأجاز له أبو زكريا ابن الصيرفي، وابن أبي الخير، والقطب ابن عصرون، والقاسم بن الإربلي.
وفي شيوخه كثرة، فلا نطيل بتعدادهم.
وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس، إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليالي.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائل البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد، وهو بين أكنافها كنف لأهلها، وشرف تفتخر وتزهى به الدنيا وما فيها, طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار، بما اشتملت عليه من إمامها المعدود في سكانها1.
وقال الحافظ السيوطي في "ذيله على تذكرة الحفاظ" "ص347-348": طلب الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير، ورحل وعنى بهذا الشأن، وتعب فيه، وخدمه إلى أن رسخت فيه قدمه، وتلا بالسبع, وأذعن له الناس حكى عن شيخ الإسلام أبي الفضل ابن حجر أنه قال: شربت ماء زمزم لأصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ ... والذي أقوله: إن