عرفنا كيف كانت المحاولة لإنعاش الأدب السوسي مستمرة كل أوائل القرن الثالث عشر وأواسطه، وإن هذه المحاولة ساعدها الجد، فهيأ لَها من حيث تعلم أو لا تَعلم -ما يقوم لَها مقام التشجيع الذي قلنا أنه لا بد منه لكل نَهضة أدبية، فالتشجيع ملاك الأدب، ومدعاة القرائح إلى التفجر بالْمَاء المعين، فقد خلق لِهذه الحركة رجال أولعوا بالأدب غاية الولوع، فكان لَهم من مَحبتهم لفنه، والْخَوض في بَحره، ومناغاة معانيه، واقتطاف روائعه، واجتلاء أفكاره، ما قام لَها مقام التشجيع المادي الذي كان الأمراء يقومون به في كل النهضات الأدبية، في أدوار تاريخ الخليقة، منذ عرف الاستمتاع بتلك الناحية التي تنفح بروائح الْجَنَّة.
كنا عرفنا فيما تقدم أن تلك الْحَركة الأدبية كانت تنبعث من المدرسة الجشتيمية المباركة، فتتسع دائرتها بأعمال بنيها المتخرجين، وبأعمال من ينافسونَها من أبناء ضرتها المدرسة التيمجيدشتية، فتكشفت سنة (1269هـ) التي جعلناها ختام ذلك الطور الثالث، طور مُحاولة إنعاش الأدب، عن ارتكاز الأدب في المدرسة الجشتيمية، كما ارتكز بعض ارتكاز في المدرسة الأدوزية، فهكذا قدر لِهذه النهضة أن تكون ذات شعبتين من أول يومها، فصح لنا أن نراعي أعمال تينك المدرستين الجشتيمية وما إليها، والأدوزية وما إليها، زيادة على أدباء (سَجْرَاديِيِّن) و (رودانيين) و (إجْرَارِيِّين) رأينا قصائدهم في مَجموعة قصائد (?) قدمت لِمَولاي الْحَسن من السوسيين قبل أن يكون على العرش، ثُم إن أردنا أن نتثبت في كيفية انتشار حب فن الأدب هذا الانتشار الغريب الذي أدركناه وعرفنا غوره؛ فلا بد أن نتتبع ما قامت به الشعبتان، كل واحدة في دائرتها.
تولى الأستاذ مُحمد بن العربي قيادة المدرسة الأدوزية، فكان زعيم الأدب الأدوزي الذي يطاطئ الرأس لتيمجيدشت، ويعد قوافيه للإشادة بِمجدها وللذود عن حِيَاضِها، وقد قدر لِهذا الأستاذ أن يكون ذا تأثير قليل في تثبيت أركان هذه النهضة بِما أوتيه من صلابة الرأي، وأريحية النفس، وسلاسة الطبع، مع ضعف كثير ملموس في الذي وقفنا عليه في القوافي، ثُم نشأ بتأثيره كما ذكرناه، الأدب البونعماني على يد من يمت إلى