فيها القضاء الرسمي وهي قليلة جدّا -اللهم إلا إذا كانت القضايا من جنس ما تتمالأ عليه القبيلة من عوائدها، كعادتهم في قسمة الماء، وما يؤخذ من المفسدين من غرامات مالية، أباحها من قديم بعض العلماء، ففي هذه وأمثالِها ما يُطلقونَ عليه الأعراف، ومثل هذا لا يَخلو منه بلد، حتى فاس وهي ما هي، ولا مرية أن العوائد التي لا تصدم النص معتبرة، وهذا النوع (?) إن كان في بعض نواحي سوس فيندر فيه جدّا؛ لشدة وطأة أرباب العلم (?) لتمكن ناموسهم، فلا مرية أنَّهم يزدادون تَمكنّا وسموّا كلما ازداد القانون الشرعي تَمكنّا وسُموّا.
كثيرا ما تَجري على لسان المتظلمين هذه العبارة المشلحة: (أنا بالله وبالشرع)، فيكون كل من نادى بِها في مَجمع قبيلة يُعلن أنه غير راض إلا بِحكم الشريعة، فتدوولت الكلمة حتى صار المتظلم يقولُها من غير أن يعتبر مدلولَها الأصلي، وإنّما يعني أنه مظلوم (?)، وإنّما ذكرنا ذلك كله بإيضاح؛ ليُدرك القارئ الْمَنْزلة التي للعلماء في سوس من غير أن تساندهم قوة الحكومة ولا غيرها، وليدرك ما لِمنْزلة العلم العربي في جزولة وما له من الاعتبار، فذلك هو العلة التي استبحر بِها العلم العربي هناك، ولا يمكن استبحار علم بلغة أجنبية عن اللهجة العمومية كلهجة الشلحة في غالب سوس خصوصا الجبال إلا إذا وجد طرق السيادة والشرف الدنيوي والثروة مفتوحة منهوجة في كل جانب، حتى كان العلماء هناك إذا أطلقوا لا يتصورون إلا أغنياء، فاسمع لما يقوله الأستاذ ابن عربي الأدوزي في أرجوزته الأتائية أثناء (رحلته المراكشية) عندما يذكر أن اتِّخاذ أواني الأتاي متعين على الأثرياء المقصودين؛ لأنَّها من دواعي الكرم:
لذاك فالرجل ذو أموال ... من عالِم أو حاكم أو وال
لا بد أن يتخذ الطَّبْلَةَ فِي ... منْزلة لوارد ذي شرف
والطَّبْلَةُ يقصدون بِها الصينية التي تهيأ فيها الكئوس لشراب الأتاي على العادة، هذا وقد عهد من احترام السوسيين لعلمائِهم، ما هو معروف