في هذه المهمة بل تفوقها أحيانا، كما كانت (سجلماسة) و (أغمات) و (سلا) و (طنجة) و (تادلة)، تسير أيضا في ذلك المنهج، على اختلاف سير بعضها عن بعض، فتؤدي تلك المهمة العظيمة التي بها تَحيا الشعوب، وتمجد الأقطار، ومتى أراد الله إحياء قطر هيأ له بِحكمته الأسباب ((إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)).
كانت سوس من الأطراف التي تشع نَحوها هذه الحواضر بِما فيها، وقد كان الإسلام أطل عليها من أيام عقبة (62هـ)، ثم رسخ فيها أيام ابن نصير (87هـ) وهو الذي رأينا أحد أولاده في (أغمات) يسير دفة ما وراءها، فإذ ذاك تَخطاها الإسلام إلى الصحراء، فكان هناك راسخا، وقد رأينا عهد الإمام إدريس (175هـ) من وفدوا عليه من هناك راسخي الإسلام، مغتبطين به من أسلاف الدولة اللمتونية، الذين تأسست منهم في القرنين الثالث والرابع دولة ساذجة في الصحراء، فهكذا كانت سوس دائما في مقدمة أطراف المغرب، وهي وإن كانت ذنبه؛ فقد يكون الذنب من بعض ذوات الريش أحسن ما فيها؛ إذن لا بد أن يكون في سوس (?) من قادة الدين من علمائه من يقودون الشعب المتدين بِهذا الدين الجديد. ولا بد أن تصل تلك الناحية شعلة من الأضواء التي أرسلها عمر بن عبد العزيز إلى أفريقية سنة (100هـ) ليبثوا الدين في صدور الأفريقيين المتستظلين كلهم براية الإسلام، وما تثبت دين الإسلام إلا ببث لغته، وما استجد إذ ذاك من علوم الدين، ثم رأينا (سجلماسة) في القرنين الثالث والرابع مع (أغمات)، مزدهرتين بالعلوم، أو تقربان إلى الازدهار، وما بين سوس وبين هاتين المدينتين إلا ما بين الجيران الذين يكونون سواسية في المنافع والأفكار، ويظهر أنه ربما كانت سوس الشرقية منقسمة سياسيا بين أغمات وسجلماسة، بعد ضعف الأدارسة، الذين كانت سوس من أيالتهم. فهناك عبد الله بن إدريس باني تامدولت ومُجدد أيكلي كما رأينا البورغواطيين قد امتدوا حينا إلى تلك الجهة حتى قيل أنهم وصلوا ماسة،