بأرواح الناس، فحين واروا معلمهم صلى الله عليه وسلم -فداه أبي وأمي- أصبحوا أشد ما كانوا رباطة جأش، فلم يفت ذلك في أعضادهم، ولا وجد الشقاق متسربا إليهم، فلم تكن إلا عشية وضحاها، حتى وردت خيولهم دجلة فجيحون في الشرق، كما وردت نَهر بردى ثم النيل ثم وادي سبو في الغرب، ثم تسلقت جيوشهم جبال القوقاز والحملايا وتخوم ما وراء كاشغار، على حين أن فرقة أخرى منهم تتسلق جبال البرينات، وقد تخطت سهول الأندلس حتى كادت ترد مياه السين، كما تسلقت قبل ذلك جبال درن إلى ماسة حتى دخلت قوائمها في البحر المحيط، وهي تقول: هل من مزيد؟
شرقت كتائب معلمي العالَم -لا غزاته- وغربت، وشذبت بعدلها من قوانين الإنسانية وهذبت، ومهدت بِمساواتها بين أبناء آدم ما مهدت، حتى انقادت الأمم فدخلت في دين الله أفواجا، فترد من لغة ذلك الدين العدل صافيا عذبا زلالا، وتلقي من لغاتِها وراء أجاجا، فأقبلت على تلك اللغة تتحلى بها في المجامع، وتشمخ بإتقانِها في المحافل، هذا ورئيس من رؤساء تلك الكتائب في ناحية من دمشق يتوضأ، والبشارات تتوالى عليه، كأنما الدهر يقول له: ما غلبتني أنت وأصحابك إلا بما تستمدونه من هذا الوضوء، ثم في تلك الوقفات التي تفقونَها مستقبلين تدعون، وكل دعاء أحدكم: رب زدني علما - هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ - ومن كان مبدأه العلم والعمل، ونفع الإنسانية جَمعاء؛ فأحر به أن يسود العالَم كله بِمبادئه السامية.
كان الأذان شعار أولئك المعلمين، فأينما وصلته أرجلهم، ولامسته أيديهم؛ جللته ألسنتهم بكلمة الله العليا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فكانت صخرة قرية: أنَامّْزْ وَّاسِيفْ من سملالة بِجبال جزولة -حيث الأطلس الصغير- أول ما تشرف هناك بتلك الكلمة بادئ بدء في جبال جزولة (?) فلو كان أسلاف هذه الأمة ممن تنسيهم الآثار الأعيان، ويتأخرون عن المقاصد بالوقوف مع الأنصاب؛ لكانت هذه الصخرة مكللة بالياقوت والجوهر، ومُجللة بالسندس والحرير، ولكن أنى يكون مِمَّن