ابْنَ عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَّ الرِّيحَ أَلْجَأَتْهُمْ إِلَى جَزِيرَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا، فَقَعَدُوا فِي قَوَارِبِ السَّفِينَةِ، فَخَرَجُوا فِيهَا، فَإِذَا هُمْ بِشَيْءٍ أَهْدَبَ، أَسْوَدَ كثير الشعر، قَالُوا لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: أَخْبِرِينَا، قَالَتْ: مَا أَنَا بِمُخْبِرَتِكُمْ شَيْئًا، وَلَا سَائِلَتِكُمْ، وَلَكِنْ هَذَا الدَّيْرُ قَدْ رَمَقْتُمُوهُ، فَأْتُوهُ، فَإِنَّ فِيهِ رَجُلًا بِالْأَشْوَاقِ إِلَى أَنْ تُخْبِرُوهُ وَيُخْبِرَكُمْ.
فَأَتَوْهُ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُمْ بِشَيْخٍ مُوثَقٍ، شَدِيدِ الْوَثَاقِ، يُظْهِرُ الْحُزْنَ، شَدِيدِ التَّشَكِّي، فَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ؟ قَالُوا: مِنْ الشَّامِ، قَالَ: مَا فَعَلَتْ الْعَرَبُ؟ قَالُوا: نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ، عَمَّ تَسْأَلُ؟ قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، نَاوَأَ قَوْمًا، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْرُهُمْ الْيَوْمَ جَمِيعٌ: إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، قَالَ: مَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قَالُوا: خَيْرًا، يَسْقُونَ مِنْهَا زُرُوعَهُمْ، وَيَسْتَقُونَ مِنْهَا لِسَقْيِهِمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ نَخْلٌ بَيْنَ عَمَّانَ وبيسانَ؟ قَالُوا: يُطْعِمُ ثَمَرَهُ كُلَّ عَامٍ. قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطَّبَرِيَّةِ؟ قَالُوا: تَدَفَّقُ جَنَبَاتُهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ. قَالَ: فَزَفَرَ ثَلَاثَ زَفَرَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ انْفَلَتُّ مِنْ وَثَاقِي هَذَا، لَمْ أَدَعْ أَرْضًا إِلَّا وَطِئْتُهَا بِرِجْلَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا طَيْبَةَ، لَيْسَ لِي عَلَيْهَا سَبِيلٌ". قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِلَى هَذَا انْتَهِى فَرَحِي، هَذِهِ طَيْبَةُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا فِيهَا طَرِيقٌ ضَيِّقٌ وَلَا وَاسِعٌ، وَلَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلٌ، إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (?).