وذكر تقي الدين في ترجمة القاضي أبي غانم محمد بن هبة الله ابن العَديم الحلبي (?) وكان أيضاً خطيباً بها وكان يوماً قد صلى بالجامع وخلع نعليه قريب المنبر وكانا جديدين. فلما قضى الصلاة وقام، وجد نعليه العتيقين مكانهما فسأل غلامه عن ذلك فقال: جاء إلينا واحد الساعة وطرق الباب وقال: يقول لكم القاضي: أنفذوا مداسه العتيق إليه فقد سُرق مداسه الجديد فضحك وقال: جزاه الله خيراً فيما فعله، فإنه أخ شفيق وهو في حِلٍّ منه.

وفي ترجمة أبي حاتم سهل بن محمد السِّجِسْتَاني (?) أنه دخل بغداد فَسُئِلَ عن قوله تعالى {قُوا أَنْفُسَكُم} (?) ما يقال للواحد منه؟ فقال: ق، قال: فالاثنين قال: قيا. قال: فالجمع؟ قال: قو، قال: فاجمع لي الثلاثة، قال: قي، قيا، قوا. قال: وفي ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد: احتفظ بثيابي حتى أجيئ ومضى إلى صاحب الشرطة وقال: إني ظفرت بقوم زنادقة يقولون: القرآن على صياح الدِّيك، فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشرطة فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشرطة فسألنا فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر وقد اجتمع خلق ينظرون ما يكون فَعَنَّفني وعذلني وقال: مثلك يُطلق لسانه عند العامة بمثل هذا وعمد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة وقال: لا تعود إلى مثل هذا فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعاً ولم يقم ببغداد. ذكره السيوطي في "طبقات النحاهم" (?).

زهد العلماء: نُقل أن الشيخ أبا إسحق الشيرازي (?) قد استقرَّ إجماع أهل بغداد بعد موت الخليفة (?) سنة 467 على أن يعقد الخلافة من اختاره الشيخ فاختار المقتدي (?) فصعد المنبر وعقد فقال الخليفة: هل لك من حاجة؟ قال نعم، بلغني أن النبيَّ -عليه السلام- قال: "ما من خليفة إلاّ وله دعوة مُجابة" (?) وأريد أن تدعو لي فدعا له وأمن الحاضرون فقام وذهب ولم يقبل شيئاً من الدنيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015