بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد: فمرحباً بكم أحبتي في الله! وأسأل الله جل وعلا أن ينضّر هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وأن يزكي هذه الأنفس، وأن يشرح هذه الصدور، وأن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعنا وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ورحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
أحبتي في الله! إن كل أمة من الأمم تعتز بتاريخها وتفخر ببطولات رجالها وأبنائها، وإن أحق أمم الأرض بذلك الاعتزاز والفخار هي الأمة الإسلامية فهي تستحقه بجدارة واقتدار، بل وبشهادة العزيز الغفار، كما في قوله سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ، فليست هذه الخيرية لهذه الأمة ذاتية ولا عرقية ولا قومية ولكن خيرية هذه الأمة مستمدة من رسالتها التي من أجلها أخرجت للناس.
الأمة الإسلامية هي الأمة التي أنجبت على طول تاريخها رجالاً وأبطالاً وأطهاراً وأفذاذاً، سيقف التاريخ إلى ما شاء الله جل وعلا أمام سيرتهم وقفة إعزاز وإعظام، وإجلال وإكبار.
ومن الصعب أن نحصر عدد هؤلاء الأبطال وهؤلاء الأطهار، لأنهم عمر الزمن ونبض الحياة، ومن المحال أن نعد أنفاس الزمن وأن نقدر نبض الحياة، وليس من الصعوبة أن نقطف زهرة في وسط صحراء مقفرة، ولكن من الصعب أن نقطف زهرة في وسط حديقة غناء تضم كل أنواع الزهور، وتحوي كل أنواع الرياحين، وتضم كل أصناف العطر والطيب والعبير.
لذا فإني أرجو من الإخوة أن يعذروني إذا لم تضم باقتي التي سأجمعها كل أنواع الورود، وجميع أنواع الرياحين المطلوبة، وكل أنواع العطور المحبوبة والمرغوبة؛ لأنه -كما ذكرت آنفاً- من الصعوبة بمكان أن نقطف زهرة بنوعية معينة ترضى عنها جميع الرغبات في وسط هذه الحديقة الغناء الفيحاء.
وأنا لا أقدم هذه السيرة مع هذه السلسلة الجديدة التي أعلنا عنها في اللقاء الماضي بعنوان: (أئمة الهدى ومصابيح الدجى) لا أقدم هذه السيرة وهذه السلسلة الجديدة لمجرد أنها قصص تحكى على المنبر، ولا لمجرد سرد التاريخ والأحداث والسير، وإنما أقدم هذه السير للعظة والعبرة من ناحية، ولتربية الجيل على سير هؤلاء الأبطال الأطهار من ناحية أخرى خاصة في ظل هذه الأزمة الفكرية التي سيطرت على العقول طيلة هذه السنوات الماضية، والتي سميتها آنفاً في خطب الخواطر: (الدعوة في أزمة الوعي) ، وها هو هذا الجيل المبارك -بفضل الله جل وعلا- ينتقل من أزمة الوعي إلى وعي الأزمة.