وأما الافتراء الثاني الذي أكل عليه المستشرقون وشربوا قالوا: بأن النبي كان رجلاً شهوانياً لا تحركه إلا الشهوة.
من أمثال الحقراء الأقزام ديرمنجم، مهير، أيرفينبخ، لا منس وغيرهم وغيرهم من أفراخهم الذين تربوا على موائدهم وحجوا إلى قبلتهم، وشربوا من مستنقعهم القذر، وعادوا لينسجوا نسجهم في أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تحركه إلا الشهوة، والحق أقول لكم: إن كثيراً من الكتاب والأدباء والمفكرين الإسلاميين الذين ردوا على هذه الفرية ردوا رداً بالغ الهزال، لماذا؟ لأنهم انطلقوا في ردودهم من موقع الهزيمة النفسية، وبأنهم في قفص الاتهام مع نبيهم ويجب أن يدافعوا، سبحان الله! ولكن يجب على كل مسلم أن يعي هذا الأمر جيداً.
أولاً: إن ردَّ فليعلم أنه يجب عليه أن يرفع هامة رأسه عالية لتعانق الجوزاء، وأن يمد رقبته خفاقة لتمتد إلى عنان السماء وليعلم أننا إن رددنا، فمن أهل الأرض جميعاً؟ من أهل الكفر؟ ومن أهل النفاق؟ ومن أهل القلوب المريضة لينالوا من أطهر رجلٍ عرفته الدنيا؟ وهل يضر السماء نبح الكلاب؟ وثانياً: إن ردَّ فينبغي أن يعي جيداً أن لا يجعل نفسه ورسوله في موضع اتهام فيجعل من نفسه محامياً يدافع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ من أنت ومن أنا؟ ومن أهل الأرض جميعاً لينالوا من أشرف مخلوق عرفته الدنيا؛ من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وإنما نحن لا نرد على هذه الافتراءات إلا لأمرين اثنين.
الأول: لنبين لهؤلاء المستشرقين أنهم يتعمدون الكذب، ويتعمدون التزوير للحقائق، ويتعمدون ليَّ أعناق الحقائق ليّاً.
والأمر الثاني: لنبين للمسلمين الذين انخدعوا بأفكار وآراء هؤلاء المستشرقين الذين تربوا على موائدهم، وفرخوا في أحضانهم، لنبين لهم الحق حتى لا تزل قلوبهم والعياذ بالله.
فأقول في إيجاز: إن الشواهد الواقعية والوقائع التاريخية الملموسة تقول وترفع صوتها بأن الرجل الشهواني الذي لا يتحرك إلا بالشهوة ولا تحركه إلا الشهوة حتماً ينتهي إلى ضياعٍ وإفلاسٍ وخسران، هذه قاعدة واقعية ملموسة فلا يوجد أبداً سياسيٌ أو زعيمٌ أو حاكمٌ أو قائدٌ تحركه الشهوة وتقعده إلا وانتهى حتماً بأمته إلى الذل والعار والهزيمة، واسألوا التاريخ، وليس ذلك منكم ببعيد.
وما وجد أبداً تاجرٌ غنيٌ ثريٌ تحركه الشهوة وتقعده، وتدفعه الشهوة لإرواء غرائزه إلا وانتهى حتماً إلى إفلاس، وهذا أمرٌ يصدقه الواقع.
وما وجد أبداً مفكرٌ ولا أديبٌ يتحرك بالشهوة وتسيطر على فكره وقلمه إلا انتهى فكره حتماً إلى تناقضٍ واضطراب، وهذا أمرٌ تؤكده الروايات التي تقرأ والتي صمت بها الآذان، وعميت بها الأعين في الليل والنهار ولذا فأنا أسأل: هل ذكر التاريخ مرة أن محمداً صلى الله عليه وسلم توانى لحظةً من لحظات ليله أو نهاره عن التخطيط والكفاح والجهاد لنشر دين الله؟ ثم إني أقول: متى تزوج النبي؟ تزوج النبي في الخامسة والعشرين من عمره بـ خديجة رضي الله عنها التي كانت في الأربعين من عمرها -اسمع أيها الحبيب- وظل النبي صلى الله عليه وسلم مع خديجة رضي الله عنها حتى توفاها الله عز وجل، لم يتزوج النبي عليها غيرها أبداً.
أتدرون كم عاشت خديجة مع رسول الله؟ عاشت خديجة مع رسول الله حتى بلغ الخمسين من عمره، وماتت خديجة رضي الله عنها وظل النبي بعدها لا يتزوج أكثر من عامين، وبعدها تزوج امرأةً عجوزاً؛ لأن زوجها قد قتل واستشهد، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام في الثالثة والخمسين من عمره، أبالله عليكم هذا سؤالٌ لكل من لم يمت الإنصافه في قلبه فيعمى بذلك عقله ويضل قلمه وفكره، رجلٌ في ريعان شبابه يتزوج بامرأة واحدة تكبره بخمسة عشر عاماً، ثم بعد ذلك وهو في الثالثة والخمسين -وسن الخمسين عند جميع الفقهاء هو سن الشيخوخة- بعد أن انقضى شبابه الزاهر الأنور وفي سن الشيخوخة يتزوج بنسائه كلهن من أجل شهوة؟! سؤالٌ نوجهه لكل من لم يمت إنصافه في قلبه؛ فيعمى بذلك عقله ويضل قلمه وفكره؟ أسأل الله جل وعلا أن يجزي عنا نبينا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.