الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! ها هي قفزات سريعة في سيرة هذا الإمام العلم، لأنه لا يتسع الوقت أبداً لسرد حياة هذا الإمام، والوقوف مع عبادته وتقواه وورعه وزهده، ومع فنونه في علوم القرآن، ومع أصوله التي وضعها لعلوم الفقه، ومع أصوله التي وضعها لعلوم الحديث، لا يتسع المجال أبداً لهذا.
ولكن أقول: الشافعي بشر، يخطئ ويصيب، فكلٌ يؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أبى الله جل وعلا أن يلبس ثوب العصمة إلا حبيبه المصطفى، فإلى كل متعصب لمذهب الإمام، وإلى كل متعصب للإمام نفسه، أقول له: اعلم أنك قد خالفت إمامك، وخرجت على قواعد مذهب إمامك يوم أن تعصبت له، وتعصبت للمذهب مع مخالفة للدليل من القرآن والسنة الصحيحة، فإن من أروع ما سطره الإمام الشافعي أقواله الخالدة التي يقول فيها: ما من أحدٍ إلا وتذهب عنه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: لا يعلمها، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل ووضح فيه خلاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولي فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قولي، وإني راجع عن قولي في حياتي وبعد مماتي.
وقال رضي الله عنه: [إذا صح الحديث فهو مذهبي] وقال رضي الله عنه: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط، وقال: لقد ألفت هذه الكتب ولم أقصر فيها، أي: اجتهدت فيها على قدر استطاعتي، ولم أقصر فيها إلا أنه وجب أن يكون فيها من الخطأ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] فما وجدتم في كتبي من قول يخالف قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أني راجع عن قولي في حياتي وبعد مماتي.
ذلكم هو الشافعي الإمام الذي يتبرأ من كل تعصب بغيض أعمى لقوله، مع أنه قد يكون خالف هذا الدليل الصحيح من القرآن والسنة الصحيحة.
فيا أيها الأحبة! يا أبناء الصحوة خاصة! ويا أيها المسلمون عامة! عودٌ حميد إلى المعبود الكريم الحميد، إلى النبعين الصافيين الكريمين إلى القرآن والسنة الصحيحة، فإن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال هم الذين يعرفون بالحق، وكل واحد من الأئمة والشيوخ والعلماء يؤخذ من قوله ويرد عليه، لا تنقادوا لأحد انقياداً أعمى، ولا تسلموا لكل أحد تسليماً كاملاً، فكل بشر على ظهر الأرض يصيب ويخطئ، وقد أبى الله إلا أن يلبس ثوب العصمة أحد إلا حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكلٌ يؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فعود إلى النبعين الصافيين الكريمين الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ ورواه الإمام الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وأبي هريرة وحسن الحديث شيخنا الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي) وفي لفظ أبي هريرة في مستدرك الحاكم: (وإنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض عليَّ يوم القيامة) .
فيا أيها الأحبة! عودة إلى القرآن والسنة الصحيحة، والأقوال التي توافق السنة الصحيحة لأهل العلم والفضل، أما أن نتعصب لأحد بعينه، ولإمام بشخصه، وأن نأخذ كلامه على أنه تشريع لا يقبل المناقشة، ولا يقبل المداولة، ولا يقبل العرض على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله، فهذا انقياد بغيض أعمى وتعصب بغيض ذميم، رده كل إمام من الأئمة المعتبرين، وقد سمعتم قولة الشافعي، وقبلها قولة مالك، وقبلها قولة أبي حنيفة: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرد الأمة إليه رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إليك، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح حكامنا، ووفق علماءنا، واستر فتياتنا، واستر نساءنا، واستر شبابنا برحمتك يا رب العالمين، اللهم من كان منا على طاعة فزده طاعة على طاعته، وتوفيقاً وتثبيتاً برحمتك يا رب العالمين، ومن كان منا على معصية فخذ بقلبه إليك ورده إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمرنا الله جل وعلا في محكم كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] .
والحمد لله رب العالمين.