أيها الأحبة! وقبل أن أبدأ الحديث عن هذه الشبهات التي وجهت إلى إمامنا وصفوتنا الذي نقدمه اليوم للعلماء العاملين والدعاة الربانيين الصادقين المخلصين أود أن أقعد لكم قاعدتين عظيمتين جليلتين لطلبة العلم خاصة وللمسلمين عامة.
القاعدة الأولى تقول: اعرف الحق تعرف أهله.
أيها الحبيب! أصغ لي السمع فإن التعصب البغيض الأعمى هو الذي مزق الشمل، وشتت الصف، وبذر بذور الخلاف على مدار تاريخ هذه الأمة الطويل، ومازالت صحوتنا ترتجف وتتعثر خطاها بين الحين والآخر بسبب هذا التعصب الأعمى إما لحركة من الحركات، أو لجماعة من الجماعات، أو لشيخ من الشيوخ، أو لإمام من الأئمة، وهم الذين أعلنوا جميعاً على لسان وقلب إمام واحد: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) .
أيها الأحبة! إن الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال هم الذين يعرفون بالحق، ومن أروع ما قال الإمام الشاطبي في كتابه القيم المبدع (الاعتصام) : ولقد زل أقوام بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال، وخرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلوا عن سواء السبيل.
ومن نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وطيب الله ثراه التي ينبغي أن يكتب بأحرف من نور قوله: (وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم.
(ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً) أي: إماماً أو شيخاً أو عالماً أو داعية.
(يدعو إلى طريقته غير النبي صلى الله عليه وسلم) : ليس لأحد أن ينصب للأمة كلاماً يوالي ويعادي عليه غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل إن هذا من فعل أهل البدع.
يقول شيخ الإسلام: بل إن هذا من فعل أهل البدع والأهواء الذين ينصبون للأمة شخصاً أو كلاماً يوالون ويعادون عليه ويفرقون به بين الأمة) .
وفي موضع آخر من المجلد الثاني والعشرين من مجموع فتاويه المبارك يقول: (ومن تعصب لواحد من الأئمة بعينه فهو بمنزلة من تعصب لواحد من الصحابة بعينه دون الباقين) كالرافضي الذي يتعصب لـ علي رضي الله عنه.
وهذه طرق أهل البدع والأهواء، فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء، سواء تعصب لـ أبي حنيفة أو لـ مالك أو للشافعي أو لـ أحمد رضوان الله عليهم جميعاً.
فالتعصب البغيض الأعمى -أيها الأخيار- يصم الآذان عن سماع الحق ويعمي الأبصار عن رؤية الدليل ولو كان واضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار، ويبذر بذور الخلاف والشقاق والبغضاء والنزاع بين أبناء الأمة.