إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يجمعنا في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.
أحبتي في الله: مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى، تلك السلسلة الكريمة المباركة التي نقدمها في هذه الأيام لأبناء الصحوة الإسلامية خاصة، وللمسلمين عامة، للعبرة والعظة من ناحية، ولتقديم القدوة الصالحة الطيبة لتربية الأجيال عليها من ناحية أخرى، لا سيما بعد فترة التغريب الطويلة التي مسخت الهوية، وشوهت الفكر والتاريخ، وزعزعت الانتماء.
أحبتي في الله: رسالة رقيقة مؤثرة من ساحة الوغى، وميدان البطولة والشرف والجهاد، تلك الرسالة التي أرسل بها الإمام المجاهد العلم: عبد الله بن المبارك إلى أخيه التقي الزاهد الورع عابد الحرمين: الفضيل بن عياض يذكره فيها بشرف الجهاد في سبيل الله فيقول:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطلٍ فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يُكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميتٍ لا يكذب
ذلكم هو شرف الجهاد أيها الأحباب الذي أمر الله جل وعلا به الأمة أمراً صريحاً صحيحاً واضحاً؛ لتعيش الأمة عزيزة، ولتلقى ربها سعيدة حميدة، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:10-13] ذلكم هو شرف الجهاد الذي جعله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام، كما في حديث معاذ بن جبل الذي رواه الترمذي وقال: حسنٌ صحيح، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ: (يا معاذ! ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) ذلكم هو الجهاد الذي ضمن الله به السعادة والسيادة والريادة والقيادة لهذه الأمة.
ويوم أن ضيعت الأمة الجهاد ضاع شرفها، وضاعت هويتها، وأصبحت الأمة ذليلةً كسيرةً، مهيضة الجناح، مبعثرة كالغنم الشاتية في الليلة الممطرة.
وحتماً لن تعود للأمة هويتها إلا إذا عادت إلى الجهاد ورفعت لواءه في سبيل الله، ومن ثم حرص أعداء ديننا على أن يحولوا بين الأمة والجهاد، وعلى ألا تربى الأجيال المسلمة على الجهاد وسير الأبطال المجاهدين والقادة الفاتحين.