أهمية التحلي بكبر الهمة

إنّ من سجايا الإسلام ومحاسنه التحلي بكبر الهمة، وهذه العبارة ذكرها فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في حلية طالب العلم فقال: من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، فكبر الهمة يجلب لك -بإذن الله- خيراً غير مجذوذ، ويجري في عروقك دم الشهادة، والركض في ميدان العلم والعمل، فلا تُرى واقفاً إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطاً يديك إلا لمهمات الأمور، فإن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها، إن التحلي بكبر الهمة يطرد منك سفاسف الآمال والأعمال، ويجتث منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة، فارسم لنفسك كبر الهمة، ولا تنفلت منها، وقد أومأ الشرع إليها في فقهيات تلابس حياتك؛ لتكون دائماً على يقظة من اغتنامها، منها: إباحة التيمم للمكلف عند فقد الماء، وعدم إلزامه بقبول هبة ثمن الماء للوضوء؛ لما في ذلك من المنة التي تنال من الهمة منالاً.

يعني: لو أن رجلاً افتقد الماء، فيجوز له التيمم في هذه الحال، ولو كان معه مال وجب عليه أن يشتري به ماءً ليتوضأ به، أما إذا كان هذا الشخص لا ماء له ولا مال، وجاءه رجل آخر عنده ماء فقال له: أنا أعطيك ماءً تتوضأ به هبة مني، ولا آخذ منك مالاً، فهل يلزمه شرعاً أن يقبل هذا الماء كي يتوضأ به أم أن له أن يتيمم؟ الشريعة تقول: لا يجب عليه أن يقبل الماء؛ لما في ذلك من المنة، وله أن يتيمم حفاظاً على تحرره من منة الغير.

قال: يقول بعض العلماء في مثل هذه المنن: تفقأ عين الحكيم.

ومن هذه الأمثلة أيضاً: أن الرجل لا يلزمه الحج ببذل غيره له.

يعني: لو أن رجلاً قال لك: أنا أعطيك مالاً لتحج به فلو قبل ذلك فلا حرج عليه شرعاً وإن كان على حساب غيره، لكن هل يجب عليه قبول ذلك؟ بمعنى: هل يصير بذلك مستطيعاً بحيث تلزمه فريضة الحج؟

صلى الله عليه وسلم لا، لا يلزمه ذلك، فالرجل لا يلزمه الحج ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعاً بذلك، سواء كان الباذل قريباً أو أجنبياً، لما في ذلك من المنة التي تلزمه.

يقول منصور بن المعتمر: إن الرجل ليسقيني شربة من ماء فكأنه دق ضلعاً من أضلاعي.

يعني: أنه يتنزه عن ذلك.

وقد بايع الرسول عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة على ألا يسألوا الناس شيئاً، ولقد كان السوط يقع من أحدهم وهو راكب فينزل ويأخذه، ولا يطلب من أحد أن يعطيه إياه، وقد قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس).

ويقول الشاعر: غنيت بلا مال عن الناس كلهم إن الغنى العالي عن الشيء لابث ويقول الشنفرى وهو شاعر جاهلي من الصعاليك: وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متحوَّلُ أُديم مطال الجوع حتى أميته وأصرف عنه الذكر صفحاً فأذهلُ وأستفّ ترب الأرض كي لا يرى له عليّ من الطول امرؤ متطوِّلُ ولكن نفساً حرّة لا تقيم بي على الضيم إلا ريثما أتحوَّلُ فإذا كان هذا قول هذا الشاعر الجاهلي فماذا يقول المسلم؟! نختم الكلام في هذه المجموعة من المقدمات الضرورية -قبل أن نخوض في مجالات علو الهمة- بالتنبيه على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين هم أعلى الأمم همماً، فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أنهم رأس الأولياء، وصفوة الأتقياء، وقدوة المؤمنين، وأسوة المسلمين، وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، جمعوا بين العلم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الجهاد بين يديه، شرفهم الله بمشاهدة خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم، وصحبته في السراء والضراء، وبذلهم أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله عز وجل، حتى صاروا خيرة الخيرة، وأفضل القرون بشهادة المعصوم صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015