من هذه الأسباب: توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام، فبعض الناس حينما تتوالى الضربات والاضطهاد للمسلمين خاصة إذا طالت الموجة تضعف همته، كما حصل في الموجة التي ظلت مرتفعة مدة طويلة، وكان الاضطهاد يزداد للعاملين لله سبحانه وتعالى ولدين الله، فبعض الناس -للأسف الشديد- حصل عندهم شعور بالإحباط وباليأس، وهؤلاء هم الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، ولا يعلمون أن الله سبحانه وتعالى مطلع على كل هذا، ولو شاء الله سبحانه وتعالى بكلمة: (كن) لأهلك كل من على وجه الأرض، ولو شاء الله سبحانه وتعالى بكلمة: (كن فيكون) لأمر العباد الذين على وجه الأرض كلهم فيكونوا مثل الملائكة في العبادة والإخبات والخشوع لله سبحانه وتعالى؛ فإن الله قادر على ذلك، ولكن: {َتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، أي: في هذه الدنيا؛ فإذا كان الأنبياء أنفسهم أوذوا في الدنيا فغيرهم من باب أولى؛ فالدنيا هينة على الله سبحانه وتعالى، وليست دار الجزاء، إنما هي دار الابتلاء والامتحان، والنتيجة تظهر يوم القيامة أما الدنيا فهي كلها امتحان، واختبار، وابتلاء، فسنة البلاء من السنن الماضية، ولابد أن يقع هذا الصراع بين الحق والباطل، والله سبحانه قادر على أن تنزل الملائكة عياناً والناس يرونها، وتتخطف أعداء الدين عضواً عضواً، وتمزقهم إرباً؛ فالله قادر على ذلك، لكن لو أن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك فستنتفي حكمة الابتلاء، وسننتقل إلى الآخرة؛ لأن هذا يحصل في الآخرة، قال عز وجل: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، فهذا الغطاء ما زال موجوداً الآن، فإذا كشف الغطاء وأصبح الناس يرون العذاب الذي يحصل في القبر، وأصبحوا يرون الملائكة وهي تعذب الكفار أو الفاسقين من المحتضرين، وإذا شتم واحد الإسلام تنزل ملائكة من السماء وتمزقه أمام الناس، لو حصل هذا فهل تبقى الدنيا دنيا؟ فمن حكمة الله أن يكون هناك إيمان ويقين بالغيب ويقين بوعد الله سبحانه وتعالى، ويبقى الحجاب قائماً حتى يميز بين المؤمن الذي يؤمن بالغيب وبين الفاجر الذي لا يؤمن إلا إذا عاين؛ فإن الكفار إذا عاينوا قالوا: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12]، فهل هذا اليقين ينفع؟ لا ينفع اليقين؛ الذي ينفع هو ما كان قبل أن تكشف الحجب، فلا بد من إيمانك بأن الله يسمع ويرى، وأن الله قادر على أن يذل أعناق كل هؤلاء المعادين لدين الله ودين رسوله عليه الصلاة والسلام، والذين يفرحون بموالاة الكفار، ويتحصنون بهم ضد المسلمين، ويكونون هم اليد التي يضرب بها الإسلام في عقر داره، وقبلوا لأنفسهم هذا المنصب، فهل معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى خذل دينه، وخذل دعوته؟ كلا! فمهما طال الصراع فلابد أن تكون العاقبة للتقوى، كما قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، وقال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، فلابد من الفتنة، ولابد من البلاء، وهذا الذي نعيشه هو ابتلاء، وليس أكثر، فكثرة الاضطهاد للإسلام هي من البلاء؛ لأن الاضطهاد عالمي، ونحن الآن نعيش في عصر كأنه لم يسبق له نظير، فكل العالم بلا استثناء -حتى حكام العالم الإسلامي- كله متواطئ على خنق الإسلام وإذلال وإضعاف المسلمين؛ تمهيداً لإقامة إسرائيل الكبرى.
هذه هي الحقيقة المرة التي نعترف بها علناً، كما قال كلينتون في معاهدة السلام في الأردن للملك حسين قال له: لقد حققت يا جلالة الملك! حلم جدك الملك عبد الله في إقامة وطن القومية لليهود في فلسطين! وهذه أمور جديدة ما سمعنا بها في آبائنا الأولين، والله المستعان! حتى إن عمرو موسى صرح -وما أجمل التصريحات التي يأتي بها عمرو موسى أحياناً- فقال لرؤساء البلاد العربية: اهدوا قليلاً، فليس من المعقول أن تركضوا نحو إسرائيل بالصورة هذه، ففزع جلالة الملك وغضب، وقام يرد عليه في غضب ويقول: نحن لا نركض نحو إسرائيل؛ نحن نهرول نحو إسرائيل!! فانظر إليه حينما يفتخر أنه يهرول نحو إسرائيل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحبط كيد هؤلاء الأعداء أجمعين.