هذا أنموذج حصل في حدود سنة (1830م)، أي: في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي.
رجل يدعى هيوستن وقف أمام الكونجرس الأمريكي وخطب خطبة بليغة لم يستعمل فيها كلمة مرتين، فسحر ألباب الرجال الذين أمامه، وكان قد نجح لتوه في تسكين ثائرة الهنود الحمر، وجلبهم إلى توقيع اتفاقات مع الحكومة الأمريكية، استدعاه الرئيس الأمريكي آنذاك وقال له: إن تكساس تتبع المكسيك، ومستقبل أمريكا متعلق بها، ولابد من ضمها، وأريد منك ضمها.
فقال هوستن: أنا لها! زودني بمال ورجال.
فقال الرئيس الأمريكي: لو كان عندي مال ورجال ما دعوتك، بل تذهب منفرداً، وبلا دولار واحد، وأبعث معك حارساً حتى تعبر نهر المسيسبي ويعود.
يعني أن الحارس سيوصلك إلى حد نهر المسيسبي ويرجع هو، وتدخل أنت وحدك كي تحقق لي هذا الهدف.
ومع ذلك قبل المهمة، وودعه الحارس على ضفة النهر، واندفع نحو تكساس، فلما دخل أول مدينة بها فتح له مكتب محاماة، فكان المدعي في المحكمة يخرج متهماً، والمتهم يخرج بريئاً بسبب بلاغة وقوة لسانه، حتى انبهر به الناس، فوثقوا به، واجتمعوا حوله، فتلاعب بمفاهيمهم وأخيلتهم، وغرس فيهم معنى ضرورة الاستقلال عن المكسيك.
وكان قد أخذهم على مراحل، فهو لما أراد أن يضم تكساس إلى أمريكا دعاهم أولاً إلى الاستقلال عن المكسيك، وبين لهم أنه لابد من أن نقيم دولة مستقلة بنا عن المكسيك هي تكساس، فأنشأ حركة قوية أتمت الاستقلال، فاستقلت تكساس عن المكسيك.
ثم غرس معنىً جديداً، وهو وجوب الانضمام إلى الولايات المتحدة، فانضمت تكساس طواعية بإقناع هوستن.
وجاء بعد سنوات قليلة إلى الرئيس الأمريكي، وسلمه مفتاح تكساس، ولم تطلق طلقة أمريكية، ولم يصرف دولار واحد، فشكره الرئيس الأمريكي، وخلدوا عمله بإطلاق اسمه على مدينة هوستن التي هي الآن من أهم مدن أمريكا وعاصمة النفط فيها.
ونحن لا نذكر هذا للإعجاب بهؤلاء الكفرة، فإن هذا إذا كان مات على الكفر فهو إلى جهنم والعياذ بالله، لكن المقصود من ذكر هذه النماذج هو النظر إلى حال أهل الباطل؛ حيث إن أحدهم إذا أصر على أن يحقق هدفاً يجند كل طاقاته من أجل إنجاز ذلك.