من الأمور المهمة جداً في هذا المضمار أمر تشجيع الأطفال على الخير، وعلى علو الهمة، والتشجيع في الإسلام ليس أمراً قليل القدر، فقد رفع الإسلام التشجيع إلى حد أن جعله فريضة على غير القادر على إقامة فروض الكفايات، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم، وطلب الولاية والإمامة، فالفقهاء يقولون في مثل هذه الفروض الكفائية: إنها واجبة على الكفاية، فإن قام بها البعض سقط الوجوب عن الآخرين، وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعاً، يعني: القادر وغير القادر، يأثم القادر لأنه قصر في فعل ما هو قادر عليه، وغير القادر يأثم لأنه لم يشجع القادر، فواجب غير القادر أن يحمل القادر على ذلك العمل ويشجعه، ويحثه ويؤزه أزاً، فإن لم يقم به أحد أثموا جميعاً، فغير القادر يأثم لأنه قصر فيما يستطيعه، وهو التفتيش عن القادر، وحمله على العمل، وحثه وتشجعيه وإعانته على القيام به، بل وإجباره على ذلك.
وقد تسابق المسلمون في شتى العصور على تشجيع الموهوبين وكبيري الهمة بكافة صور التشجيع، فكانوا ينفقون الأموال الجزيلة لنفقة النابغين من طلاب العلم الذين حبسوا أنفسهم على طلبه؛ ليغنوهم عن سؤال الناس أو الاشتغال عن العلم بطلب المعاش، فهذا الإمام أبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي، قال فيه الصفدي: لم أره قط إلا يسمع أو يكتب أو ينظر في كتاب، ولم أره على غير ذلك، وكان له إقبال على أذكياء الطلبة يعظمهم وينوه بقدرهم.
وكان المعلمون في الكتاتيب وفي المساجد وفي الأزهر إذا لمسوا في طفل النجابة وسرعة التعلم، احتضنوه، وساعدوه على طلب العلم، وزودوه بالمال من مالهم الخاص أو من الأوقاف، وكان في طليعة المشجعين لطلبة العلم الخلفاء والأمراء.
روى البخاري في صحيحه: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدخل ابن عباس رضي الله عنهما وهو غلام حدث مع أشياخ بدر، قال ابن عباس: فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لمَ تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنه من حيث علمتم -يعني: أن هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آل البيت- فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، وانظر إلى ذكاء ابن عباس كيف كان يراقب ويحلل ويختزن المواقف في ذهنه، فدعاه يوماً ففهم وتفرس أنه دعاه حتى يختبره أمامهم، ويظهر فضله في العلم عليهم، يقول ابن عباس في الرواية: فما رأيت أنه دعاني يومئذٍ إلا ليريهم علمي، قال عمر: ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟! فقلت: لا، قال: ما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له -يعني: أن هذه الآية فيها نعي رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى نفسه- قال: (إذا جاء نصر الله والفتح) وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3] يعني: تهيأ للقاء ربك، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.
هكذا كان أمير المؤمنين يقوي ثقة ابن عباس بنفسه.