من أعظم حقوق النبي عليه الصلاة والسلام علينا أن نتأدب معه بأبي هو وأمي وروحي، وأرجو ألا يظنن أحد أن التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم كان في حضرته فقط! بل إن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته واجب من أعظم الواجبات، يجب على كل من آمن بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يتأدب مع الحبيب، تدبر معي واسمح لي أن أكرر بما كنت قد ذكرته لك في لقاء سابق حينما قلت: بأننا لم نر نبياً من الأنبياء إلا وقد ناداه ربنا جل وعلا باسمه المجرد، إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله: {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} [هود:48] .
{يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104-105] .
{يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:11-12] .
{يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55] .
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] .
{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص:26] .
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} [مريم:7] .
إلا المصطفى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب:45] ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:41] ، وينادي عليه بصفته: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:1-2] ، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1-2] .
وما ذكر الله اسم النبي مجرداً قط إلا مقترناً بصفة النبوة والرسالة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:29] .
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144] .
{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب:40] .
فهذا هو خطاب ملك الملوك وجبار السموات والأرض لنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم الله جل في علاه الصحابة رضوان الله عليهم -بل وأهل الأرض جميعاً- كيف يتأدبون مع الحبيب؟ وكيف ينادونه؟ وكيف يتكلمون في حضرته؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] ، إلى هذا الحد؟ نعم.
ثم يقول ربنا بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3] ، وعاب ربنا جل وعلا على أولئك الذين ينادون الحبيب صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، اخرج إلينا، عاب الله عليهم ذلك وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:4-5] .
هذه دروس في التربية، دروس من رب العزة إلى الصحابة وإلى البشر جميعاً في التأدب مع رسول الله.