مداخلة: ذكرت أن هذا العالم عالم مجنون، تسفك فيه الدماء، وغرور القوة مسيطر تماماً على العالم كله، والأعداء يحاربون بكل ما هو محرم في كل مجال، يقتلون الأطفال، والنساء، والشيوخ، ويهدمون البيوت، ويحرقون الأشجار، فنريد أن نعرف خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا؟! الشيخ: ما شاء الله، هذه لمحةٌ جميلة، وأتمنى أن العالم كله يقرأ التاريخ من جديد؛ فما زالت صفحات التاريخ مفتوحة، واسمح لي أن أستهل الجواب على سؤالك الجميل بقولةٍ لهذا المفكر الشهير بستاف لفن حينما قال: ما عرف العالم في التاريخ القديم والحديث ديناً سمحاً كالإسلام، وما عرف العالم في التاريخ القديم والحديث فاتحين متسامحين كالمسلمين، هذه حقيقة.
مع أن رؤية الدم تثير الدم، وتحرك الشهوة للانتقام، لكن مع كل ذلك انظر إلى أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أخلاق الدين حتى مع الأعداء.
وأنا أود أن أقول: حينما نتحدث الآن عن خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم مع أعدائه؛ فنحن لا نريد بذلك أن نتحدث حديثاً ذهنياً بارداً باهتاً، وإنما نود أن نذكر العالم بصفةٍ عامة، وأمتنا المسلمة بصفةٍ خاصة، بأنه لا قيمة لهذه الأخلاق إلا إذا تحولت في حياتنا من جديد إلى واقع عملي، ومنهج حياة، وإلا فسيظل هذا المنهج المشرق حبراً على الورق.
النبي صلى الله عليه وسلم استطاع أن يقيم للإسلام دولة، واستطاع أن يربي جيلاً قرآنياً فريداً لم ولن تعرف البشرية له مثيلاً، وذلك يوم أن نجح بطبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج التربوي الإسلامي الخلقي، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يطبعها بالحبر على صحائف الورق، وإنما طبعها على صحائف قلوب أصحابه بمداد من التقى والهدى والنور؛ فحولوا هذه الأخلاق النبوية العظيمة في حياتهم إلى واقع عملي ومنهج حياة.