معاملة النبي عليه الصلاة والسلام للفقراء

كان النبي صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، بل كان قرآناً متحركاً بين الناس في دنيا الواقع، وهذا هو السر الذي جعل القلوب تنجذب إليه صلى الله عليه وسلم وتتعلق به وقد كان صلى الله عليه وسلم يكرم اليتامي والفقراء غاية التكريم، فقد أخبر أن كافل اليتيم في منزلته في الجنة، كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى) .

بل جاء في الحديث الذي رواه أبو يعلى بسند حسن، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من يفتح باب الجنة) ، فأرى امرأة تبادرني -تسابقه تريد أن تدخل مع النبي عليه السلام الجنة -فأقول: ويحك! من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي) .

انظر إلى مكانة هذه المرأة التي مات زوجها؛ فتفرغت لتربية الأولاد على الفضيلة والشرف والعفة، وأبت أن تتزوج لتتفرغ لتربية أولادها.

وهذا أبو سفيان وهو السيد الشريف العظيم الكريم، ورد في صحيح مسلم: أنه مر يوماً على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الفقراء -كـ صهيب وعمار رضوان الله عليهم جميعاً -وكان يجلس معهم في ذلك الوقت أبو بكر رضوان الله عليه- فلما رأى الصحابة رضوان الله عليهم أبا سفيان قالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها؛ فغضب أبو بكر رضي الله عنه، والتفت إلى الصحابة وقال: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وغضب وترك المجلس وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه ما قال الصحابة وما قاله.

فقال الرسول لـ أبي بكر رضي الله عنه؛ (يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ -يعني: بلالاً وعماراً وصهيباً - فوالله! لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك عز وجل) ، فانطلق يجري إليهم وقال: إخوتاه! أوغضبتم مني؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي! انظر إلى مكانة هؤلاء الفقراء، وهم الذين عوتب فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عليه قول الله جل وعلا حينما أراد أن يفرغ نفسه لدعوة السادة من أهل الشرك، وأن يخصهم بمجلس بعيداً عن صهيب وعمار وبلال، فنزل قول الله جل وعلا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] ، عوتب في هؤلاء بهذه الكلمات الشديدة (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ! هذه الكلمة تقال لسيدنا رسول الله، ويأتي الأمر واضحاً: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] ، وأعلنها بكل قوة وصراحة: {وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] ، فالله جل وعلا غني عن كل خلقه، فعوتب الحبيب صلى الله عليه وسلم مع أنه أراد بذلك دعوة هؤلاء السادة، وهو يعلم يقيناً أن قلوبهم لو ذاقت حلاوة الإيمان لعادوا بأنفسهم إلى هؤلاء الفضلاء الشرفاء، لكن الله جل وعلا عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28] ، فلقد كرم النبي صلى الله عليه وسلم اليتيم تكريماً عظيماً وعامل الفقراء بتواضع جم.

وقال ربنا جل وعلا لنبينا: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:1-11] ، فما أحوجنا إلى هذه الرحمة! وما أحوجنا إلى التواضع.

قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قد أوحى إلي أن تواضعوا؛ حتى لا يبغي أحد على أحد، وحتى لا يفخر أحد على أحد) ، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6-7] .

فيجب عليك -أيها الحبيب- يا من منّ الله عليك بالعلم! ويا من منّ الله عليك بالمال! ويا من منّ الله عليك بالجاه والسلطان! أن تتواضع لربك جل وعلا، وأن تتواضع لخلق الله وعباد الله، فلقد زكى ومدح ربنا المؤمنين وأصحاب سيد المرسلين بأنهم رحماء بينهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015