وينبغي للمضيف أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار قال ابن عباس رضي الله عنه: [من السنة إذا دعوتَ أحداً إلى منزلك أن تَخرج معه حتى يَخرج، وهذا من مكارم الأخلاق].
وكذلك السنة للضيف: ألا يقعد في صدر المجلس إلا إذا أذن صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت أحق بصدر مجلسه وصدر دابته من غيره.
وكذلك فإن الضيف إذا جلس في مكان فلا يجلس في المكان الذي يرى فيه الباب، ويرى ما وراء الباب إذا انفتح، وما وراء الستارة؛ حتى لا يطَّلع على عورات صاحب البيت.
وقد حدثت قصة لطيفة بين أبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله والإمام أحمد.
أبو عبيد القاسم بن سلام من كبار أئمة اللغة، والإمام أحمد معروفٌ مَن هو.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: زرت الإمام أحمد، فلما دخلتُ قام فاعتنقني وأجلسني في صدر مجلسه، فقلت: أليس يُقال: صاحب البيت أو المجلس أحقُّ بصدر بيته أو مجلسه؟ قال: نعم، يَقعُد ويُقعِد مَن يريد إذا كان هذا حقه فآثرَ به آخر فإن له الحق أن يُجلسه.
قال: قلتُ في نفسي: خذ يا أبا عبيد فائدة أبو عبيد كان يظن أن صاحب البيت فقط هو الذي يجلس في صدر البيت، والإمام أحمد أجلسه في صدر البيت، ولما سأله أبو عبيد قال: صاحب البيت أَولى؛ لكن إذا هو آثَر الضيف بصدر المجلس فإنه يَجلس.
قال: قلت في نفسي: خذ يا أبا عبيد فائدة، ثم قلت -يقول أبو عبيد للإمام أحمد -: لو كنتُ آتيك على قدر ما تستحق لأتيتك كل يوم أي: أنت يا إمام أحمد يستحق الواحد أن يأتيك كل يوم، لما يوجد عندك من الفائدة، وأنه يجب أن نقدرك.
فقال: لا تقل ذلك، فإن لي إخواناً ما ألقاهم كل سنة إلا مرة، أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم يقول: هناك أناس بيني وبينهم علاقات ما ألقاهم في السنة إلا مرة أعز عليَّ من أناس أراهم كل يوم، فالمسألة ليست بكثرة الترداد إنما بالمنازل التي في القلوب.
قال: قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد -الفائدة الثانية- فلما أردتُ القيام قام معي، فقلت: لا تفعل يا أبا عبد الله! فقال: قال الشعبي: مِن تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، وتأخذ برِكابه.
قلت: يا أبا عبد الله! مَنْ عَنِ الشعبي؟ قال: ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي قلت: هذه ثالثة يا أبا عبيد أي: هذه الفائدة الثالثة.
وهكذا كان السلف رحمهم الله تعالى يتعلمون، يذهب بعضهم إلى بعض من أجل أن يتعلموا الفوائد.