الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- عن الثلاثة العظماء الذين أخرجهم الجوع: نبي، وصدِّيق، وشهيد وكان ذلك في الصدر الأول من هذه الأمة المرحومة المكرمة بهذا النبي العظيم.
روى هذه القصة الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث الصحيح: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ساعةٍ لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا قد وجدت بعض ذلك، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التَّيْهان الأنصاري، وكان رجلاً كثير النخل والشاء، ولم يكن له خدم، فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبكِ؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء، فلم يلبث أن جاء أبو الهيثم بقِربة يزعبها، فوضعها، ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم ويُفَدِّيه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقته، فبسط لهم بساطه، ثم انطلق إلى نخلةٍ، فجاء بقِنْوٍ فوضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلا تنقَّيتَ لنا من رُطَبه؟ فقال: يا رسول الله! إني أردتُ أن تختاروا، أو قال: تخيروا من رُطَبه وبُسْره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة؛ ظل بارد، ورُطَب طيب، وماء بارد.
فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذبحن ذات دَرٍّ، قال: فذبح لهم عَناقاً أو جَدْياً، فأتاهم بها، فأكلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك خادمٌ؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي فائتنا، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسَين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهما.
فقال: يا نبي الله! اختر لي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المستشار مؤتمَن، خذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستوصِ به معروفاً، فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأته: ما أنت ببالغٍ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاًَ، ومن يوقَ بطانة السوء فقد وُقِي) قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: هذا حديث حسن صحيح.