فوائد من غزوة الرجيع

هذه القصة العظيمة فيها فوائد كثيرة للغاية: هذه القصة العظيمة فيها فوائد كثيرة للغاية: 1 - منها: تضحية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجهم لنصرة الله ورسوله بالرغم من الأخطار التي كانت موجودة.

2 - أن العلماء قد تكلموا في مسألة المسلم هل يجوز له أن يستأسر أم أنه لا يمكِّن من نفسه ولو قُتل أَنَفَةً من أجل أن يجري عليه حكم الكافر؟ فقال العلماء: هنا عزيمة ورخصة: فالعزيمة: أن المسلم يمتنع من الأسر حتى لو قتلوه.

والرخصة: أنه يجوز له أن يقع أسيراً.

فإذا رأى أن من المصلحة أن يوقع نفسه أسيراً أوقع نفسه أسيراً، وإذا أخذ بالعزيمة، وقال: أقاتلهم حتى يقتلوني، وأرفض الوقوع في الأسر؛ فإنه مأجور على فعله ذلك.

3 - الامتناع عن قتل أولاد المشركين وأطفالهم.

4 - كرامات أولياء الله تعالى واضحةً جداً في هذه القصة: أ- أن قِطْف العنب عند خبيب كرامة من الله، ولا يوجد في مكة عنب، والمرأة فوجئت بعنقود من العنب كبير بحجم رأس الرجل بين يدي خبيب.

ب- أن عاصم بن ثابت حماه الله بالظلة -السحابة- من النحل تظله، وهذه كرامة من كرامات الله تعالى.

جـ- تبليغ الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الله أن يبلغ نبيه الخبر، ووصول الخبر في الوقت نفسه من كرامات الله لهم.

إذاً كرامات الله عز وجل ثابتة ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أننا نوقن ونعتقد أن الله يخرق العادة لبعض أوليائه، ويجري الله تعالى كرامات على أيدي أوليائه، ويكرمهم بخرق العادة لهم.

فقد يكون خرق العادة بأن يأتيهم بطعام لا يوجد في البلد مثله.

يأتيهم بفاكهة الصيف في الشتاء أو العكس، مثلما كان لمريم عندما كان يأتيها رزقها وهي في مكان صلاتها {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} [آل عمران:37] وهذا الرزق من الله وليس من أحد من البشر.

ربما يكرمهم الله بالمشي على الماء، بأن تخوض الخيول الماء مع أن العادة جرت بأن الخيل لا يركب البحر أبداً ويغرق، ومع ذلك ركبت خيول المسلمين البحر في بعض الغزوات، وما غرق أحد منهم، وما فقدوا شيئاً، حتى إن بعضهم فقد مطهرة، فلما عبروا إلى الشاطئ الآخر، قال: ربِّ مطهرتي، فرماها البحر بعد قليل إلى الشاطئ، وأخذ المطهرة؛ وهي الإناء الذي يتطهر به.

وكان في يد بعض الصحابة نور، جعل الله له نوراً في يده في الظلام يضيء له الطريق، الأول أسيد بن حضير، والثاني عباد بن بشر.

وسلمت الملائكة على عمران بن حصين.

وطعام أبي بكر الصديق كفى أعداداً من الناس، كلما أكلوا لقمة ربا من تحتها مكانها، فتركوه أكثر مما بدءوا.

وهذه الكرامة منة من الله يعطيها من يشاء من أوليائه.

إن قال قائل: ما هو الفارق بينها وبين الخارقة التي تكون للساحر والكاهن والمشعوذ؟! ربما يفعلون كرامات، ربما يطير الساحر والمشعوذ في الهواء، ربما يمشي على الماء، إذاً هذه خوارق وهذه خوارق! نقول: نعم.

والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: أولاً: أن حال ولي الله الذي يُجري الله على يديه الكرامات أنه متمسك بشرع الله، صحيح العقيدة، يقوم بالواجبات، ويمتنع عن المحرمات.

أما المشعوذون والسحرة: فإنهم مشركون عقائد فاسدة، يتعاملون مع الشياطين، ربما لا يصلون، يمتنعون عن الواجبات، ويفعلون المحرمات، وربما يشربون الخمور، ويزنون، ويرتكبون الموبقات.

ولذلك لا يغتر أحد بخرق العادة، فالعادة قد تنخرق، فالدجال من فتنته أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تخرج كنوزها فتخرج كنوزها، يَقسم رجلاً قسمين -يضربه بالسيف نصفَين- ثم يرده، ويقول: قم، فيقوم بأمر الله، الناس يشاهدون معه جنة ونار متنقلة، فالدجال معه خوارق عظيمة جداً؛ لكنه مع ذلك كافر يهودي بن يهودي، ولذلك فإن الفارق الأساسي بين الولي وبين المشعوذ أو الدجال: حال هذا وحال هذا، هذا أعظم شيء؛ ولذلك لا بد أن ننظر في حال الشخص الذي يدعي الخوارق، أو الذي حصلت له خارقة، هل هو مستقيم على الشريعة أم هو رجل منحرف؟ صحيحُ العقيدة أم رجل مشرك أو مبتدع؟ هل يقوم بالواجبات ويمتنع عن المحرمات أم إنسان يرتكب الموبقات؟ ثم إن الولي إذا حصلت له الخارقة لا يخبر الناس يقول: يا أيها الناس! حصل لي كذا وكذا، وإنما يظهرها الله بطريقة، أو تنتقل وتنتشر، وربما ما عرفت إلا بعد وفاته، أما الدجال المشعوذ فيقول لك: تعال انظر، ويدعوك إلى رؤية ما عنده، ويتظاهر ويتباهى بما عنده، أما أولياء الله إذا حصل له شيء لا يخبر الناس، ويقول: أنا كنت في الصحراء وعطشت وأوشكت على الموت، فأرسل الله لي قربة ماء بين السماء والأرض فشربت منها، لا يقول هذا، وإن حصل له يكتمها من باب الإخلاص حتى لا يدعي الولاية ويتباهى بذلك بخلاف ذلك المشعوذ.

ثم إن هؤلاء كثيراً ما يكون خرق العادة بالنسبة لهم من جهة التعاون مع الجن، الجن -مثلاً- يخدعون أعين الناس، فمثلاً: قد يجعلوا سيخ الحديد يخترق جسد هذا المشعوذ بدون قطرة دم يمشون على المسامير الحادة جداً، يدخل النار فلا يصيبه شيء، وقد يكون هذا الشيء الذي يفعله بحيلة، مثلاً: يطلي جسده بنوع من زيت النارنج أو ببعض الأشياء التي لها مقاومة للنار.

الآن هناك كراسي وجلود وأشياء مصنَّعة مقاومة للنار وللاحتراق، يقول لك: هذه قاعة المحاضرات كلها ضد الاحتراق أي: لا يحترق لا السجاد ولا المقاعد ولا السقف ولا الجدران؛ لأنها مطلية كلها بمادة مقاومة للاحتراق، كما ناظر ابن تيمية رحمه الله فرقة البطائحية الصوفية المنحرفين، قالوا: نحن ندخل النار ولا يضرنا، قال: أولاً: نغتسل كلنا، تغتسلون أمامي، ثم أدخل أنا وأنتم إلى النار، فرفضوا ذلك، وقصة مناظرته لهم معروفة مشهورة.

والخلاصة: أن هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم حصلت كرامة الله عز وجل لهم.

5 - كذلك في هذه القصة من الفوائد: أن الله سبحانه وتعالى يبتلي العباد بما يشاء، مع أن هذه كانت مصيبة -ولا شك- في المجتمع المسلم أن يُفقد عشرة من أفضل أفراده؛ لكن الله سبحانه وتعالى له حكمة: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140] يريد الله عز وجل أن يكرم هؤلاء المسلمين، ويريدهم لهذا الجزاء، والله يعلم أن ذهابهم إليه أفضل من بقائهم في الدنيا.

الآن حياة خبيب بعد الموت أفضل له من حياته قبل الموت، فمن ناحية الهم والغم والحزن والمرض والشقاء والتعب لا يوجد، فما بعد الموت لمثل هؤلاء نعيم، فهو الآن في قبره يُملأ عليه خَضِراً إلى يوم يبعثون، يُنَوَّر له، يأتيه عمله الصالح في أحسن حال، يُفتح له باب إلى الجنة، وفتَحْةُ الباب إلى الجنة تكفي عن كل الذي في الدنيا، ونظرته إلى أهله وماله من هذه النافذة التي في القبر إلى الجنة، ينظر إلى أهله والحور العين، وماله الذي هو في الجنة وهو في القبر أحسن له من كل هذه الدنيا، ولذلك ليس شيئاً محزناً من جميع النواحي أن يقتل خبيب وأصحابه؛ لأن في المقابل توجد كرامة ونعيم عند الله أحسن من هذه الدنيا، فالله عز وجل من محبته لأوليائه أن يعجل بأخذهم وبرحيلهم عن الدنيا، هذا سر مهم؛ أن الله يحبهم فيريدهم أن ينتقلوا عنده بسرعة.

ذهب أبو بكر وعمر ليزورا أم أيمن كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يزورها في حياته، قالوا: إن النبي عليه الصلاة والسلام مات وكانت له عادة حسنة في زيارة هذه العجوز -المرأة الكبيرة- أمه من الرضاعة، فنواصل عادة النبي عليه الصلاة والسلام، فذهبا إلى أم أيمن، ولما جلسا عندها رضي الله عنها؛ بكت، فظنَّا أنها بكت حزناً على فراق النبي عليه الصلاة والسلام وموته، فقالا لها: [أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله؟!] أي: ما عند الله أفضل للنبي عليه الصلاة والسلام من بقائه عندنا في الدنيا، هموم وغموم وأحزان وأمراض، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:60] فقالت: [نعم!] تعلم ذلك؛ ولكنها تبكي أن الوحي قد انقطع، لأجل هذا حزنت.

6 - وكذلك في هذا الحديث: أن من سنن الفطرة حلق العانة: والفطرةُ سننٌ كثيرة، جاء مجموع عشرٍ منها في حديث واحد، وبمجموع الأحاديث قد تصل إلى أكثر من عشر سنن.

- فالمضمضة من سنن الفطرة.

- والاستنشاق من سنن الفطرة.

- والسواك من سنن الفطرة.

- واللحية من سنن الفطرة.

- وغسل البراجم والأشاجع؛ غسل ما بين الأصابع، وما في هذه الانثناءات الموجودة في الأصابع، هذا من الفطرة؛ لأنه يتجمع فيها الزءومة والوسخ؛ فغسلها والاعتناء بغسلها من هذه الفطرة.

- الختان من الفطرة.

- نتف شعر الإبط من الفطرة.

- قص الأظافر من الفطرة.

- حلق العانة؛ ما حول القُبُل من الشعر الخشن من الفطرة.

هذا الذي أراد أن يفعله خبيب رضي الله عنه، وقد ذكر العلماء أن الحلق بالموسى أفضل من القص بالنسبة للعانة، كما أن النتف للإبط أفضل؛ لكن لو أزاله بأي مزيل جاز، أي: لو قال شخص: أنا لا أقوى على نتف الإبط؛ لأنه يؤلمني جداً، فهل يجوز لي أن أستخدم مزيلاً لإزالة الشعر الذي في الإبط؟ نقول: نعم، لا بأس بذلك، المهم: الإزالة؛ منعاً للروائح الكريهة؛ لأن الإسلام يعتني بنظافة المسلم في جسده، فتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وغسل البراجم، والاستنشاق، والاستنثار، هذه كلها نظافة للمسلم.

وأيضاً حفاظاً على الهيئة الحسنة: اللحية.

وكذلك الختان؛ حتى لا تتجمع الأوساخ والأشياء الضارة، فلذلك صار الختان واجباً للذكور، مستحباً للإناث، فالختان أيضاً من الفطرة.

إذاً: الدين يأمر بكل ما فيه تنظيف وتطهير وتطييب لجسد المسلم.

فالشاهد أن الاستحداد -استخدام الحديدة والموسى أو الشفرة في حلاقة العانة- أفضل من قصه أو إزالته بأي مزيل، مع أن الإزالة بأي مزيل آخر جائز.

7 - كذلك في هذا الحديث: أن التجسس في الحرب من الأش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015