وكذلك يؤخذ من هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله: وأن أبا بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه من مناقبه: أنه كان رجلاً بكاءً، إذا قرأ القرآن لم يملك عينه، يعني: من الدمع والبكاء، وهذا من مناقبه رضي الله عنه، وكثير من الناس مع الأسف لا يعرفون مناقب الصِّدِّيق جيداً، ولا يتعرفون على شخصيته جيداً، وربما بعضهم يعرف بعض الأشياء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو عن علي بن أبي طالب؛ لكن لا يعرفون كثيراً عن الصِّدِّيق، مع أن الصِّدِّيق أفضل الجميع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي معرفة شأن الصِّدِّيق رضي الله عنه في رقة قلبه وإيمانه، وسبقه في الخير والدعوة، وعموم أفعال البر التي كان يعملها، ومكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يمر عليه في اليوم مرتين بكرة وعشية، وأنه الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى حتى يهاجر معه، وأخبره عليه الصلاة والسلام أنه يرجو أن يؤذَن له بالهجرة، فيبقى الصِّدِّيق لكي يهاجر معه، ولذلك حبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلف الراحلتين وجهزهما، وحماه، وخاف عليه، وأصيب بالحزن لما اقترب الكفار من الغار، وهو الذي حلب له اللبن وبرَّده، وكان يضع له ذلك الشيء في الظل حتى يستريح عليه، وكان يورِّي، فكان يقول إذا سئل في الهجرة: (هذا رجل يهديني الطريق) حتى لا يعرف النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أتى بغلامه ليدل على الطريق، وهو الذي أتى بابنه يرعى الغنم، وهو الذي أتى بابنته أسماء التي كانت تأتي بالطعام وتربطه بنطاقَيها، حتى سميت بـ ذات النطاقين.
ففضل الصِّدِّيق في الدعوة إلى الله وفي الإسلام، ومكانة الرجل في الإسلام عظيمة ينبغي أن تحفظ له، وأن ندعو الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل العظيم أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، لما قدم وأعان في نصرة هذا الدين.
وهذا الحديث من تأمل فيه يجد مزيداً من الفوائد؛ خصوصاً في مجال الدعوة والتعامل مع الآخرين، وكيف يستفيد الإنسان من الواقع، ومن الإمكانات المتاحة في الدعوة إلى الله عزوجل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع الصِّدِّيق في الدرجة العالية وأن يجزيه خير الجزاء.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.