الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فهذه القصة التي بين أيدينا هي قصة مِن أنباء مَن قد سبق، قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى، وهي قصة جريج الراهب، {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} النجم:4]، التي حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عنه في الحديث الصحيح.
وهذه القصة رواها البخاري رحمه الله، ورواها الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وكذلك رواها الإمام أحمد رحمه الله.
ورواية الإمام مسلم رحمه الله تعالى، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: يا رب! أمي وصلاتي -أيهما أقدم؟ - فأقبل على صلاته، فانصرفت -أي: أمه- فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: أي ربِّ، أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج! فقال: أي ربِّ! أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات.
فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يُتَمَثَّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها -الراعي- فحملت.
فلما ولدت قالت: هو من جريج -الولد ولد الزنا من جريج - فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيتَ بهذه البغي، فولدت منك، قال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبيَّ فطعن في بطنه وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبِّلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا.
أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا).
وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا قصة المرأة التي كان معها الرضيع في هؤلاء الثلاثة؛ ولكن سنقتصر على قصة جريج؛ لأنها هي موضوعنا في هذه الليلة.