الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: ففي هذه الليلة أيها الإخوة موعدنا مع قصة المستهزئ الذي هداه الله تعالى، وهذه قصة عظيمة في مجال الهداية، هداية الله تعالى للإنسان إذا أراد أن يهديه.
وهذه القصة روى أصلها الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، ورواها مطوَّلة الإمام أحمد، وابن ماجة.
وهذه القصة من مسند الإمام أحمد رحمه الله يرويها عبد الله بن محيريز، وكان يتيماً في حجر أبي محذورة.
قال روح بن معير حين جهزه إلى الشام: قلت لـ أبي محذورة: يا عمِّ! إني خارج الشام، وأخشى أن أُسأل عن تأذينك، فأخْبَرَني أن أبا محذورة قال له: (خرجتُ في نفرٍ فكنا ببعض طريق حنين - أبو محذورة رضي الله عنه يروي له ويعلمه الأذان قبل أن يخرج إلى الشام - يقول له أبو محذورة: خرجتُ في نفرٍ -يعني: مع المشركين بعد فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم- خرجتُ في نفرٍ فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلَقِيَناه ببعض الطريق، فأذَّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متَنَكِّبون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم الذي سمعتُ صوتَه قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إليَّ وصَدَقوا، فأرسل كلهم -أطلقهم- وحبسني، فقال: قم فأذن للصلاة، فقمتُ ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين فقال: قل: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله -منخفضاً- ثم قال لي: ارْجِع فامدد من صوتك، فقل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أَمَرَّها -أي: مر بيده الشريفة- على وجهه مرتين، ثم مرتين على يديه، ثم على كبده، ثم بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة أبي محذورة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيك فقلت: يا رسول الله! مُرْني بالتأذين بـ مكة فقال: قد أمرتك به، وذَهَب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية، وعاد ذلك محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقَدِمت على عتاب بن أسيد، عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ مكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
انتهى كلام أبي محذورة رضي الله عنه.