لقد حصل لعددٍ من الصحابة مواقف مثل موقف أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فمن هذه المواقف: 1 - أن أبا أيوب الأنصاري حدَّث أنه كانت له عكة فيها تمر، وكانت تجيء الغيلان من الجن -ومنه قول الصحابي: [إذا تغولت الغيلان فعليكم بالأذان] إذا تراءت الغيلان أمامكم وظهرت فعليكم بالأذان؛ لأن الأذان يطردها- وتأخذ منه، وفي الرواية: أنها علمته آية الكرسي، وأنه لا يقربه شيطان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقك وهو كذوب).
2 - كذلك قصة أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن أباه كعباً أخبره أنه كان له جرين فيه تمر -والجرين: هو البيدر الذي يجمع فيه الطعام- وكان يتعاهده، وكلما جاء يتعاهد هذا البيدر وجده قد نقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابةٍ كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فرد السلام، فقال: ما أنت جنٌ أم إنس؟ قال: جنٌ، فقلت: ناولني يدك، فإذا هي يد كلب وعليها شعر كلب، فقلت أهذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك.
فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟ قال: هذه الآية -آية الكرسي- فتركته ثم غديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال: صدق الخبيث.
رواه ابن حبان في صحيحه.
3 - وحدثت كذلك حادثة أخرى رواها عبد الله بن مسعود قال: لقي رجلٌ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريعتيك ذريعتا كلب -تصغير ذراع- فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله.
إني منهم لضليع.
يقول الإنسي: أنا أراك ضئيلاًً -أي: دقيق الجسم- شخيتاً -أي: مهزولاً- فهل أنتم الجن هكذا أم أنك أنت ضعيف من بينهم؟ قال: لا والله إني من بينهم لضليع- أي: جيد الأضلاع، ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: نعم.
فصارعه فصرعه قال: تقرأ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255] فإنك لا تقرأها في بيتٍ إلا خرج منه الشيطان له خبجٌ -أي: ريحٌ- كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح.
وهذه الروايات في بعض أسانيدها ضعف، لكن ثبت أن عمر رضي الله عنه صارع جنياً فصرعه، وهذا من قوة عمر رضي الله عنه، وعاوده فصارعه فصرعه.
4 - وجاء في بعض الروايات كذلك: أن أبا هريرة رضي الله عنه عندما كان يحرس تمر الصدقة اشتكى لما رأى ذلك الرجل يأخذ منه، قال: فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت: يا عدو الله! وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك، وفي رواية قال: ما أدخلك بيتي تأكل التمر؟ قال: أنا شيخ كبير فقير ذو عيال، وما أتيتك إلا من حاجة، ولو أصبت شيئاً دونك ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بُعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها، فإن خليت سبيلي علمتكهما، قلت: نعم.
قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة:285] إلى آخرها.
هذه بعض الروايات التي جاءت في حديث معاذ رضي الله عنه أيضاً، لكن قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان أثبت القصص كما هي في صحيح البخاري.