فائدة ثانية: مِن فِعْل هرقل لما جاء بـ أبي سفيان ومعه أقاربه وضعهم وراءه، قال: (إن كذب فكذِّبوه): إن ما أخبر الصدق قولوا بالحقيقة، ولا شك أن القريب أحرى بالاطلاع على الأمور الظاهرة والباطنة من غيره، ثم إنه لا يقدح في نسب قريبه.
لماذا جعلهم وراءه؟ لماذا جعل قوم أبي سفيان وراء أبي سفيان، وليس أمامه؟ لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب، يعني: يكذبوه دون أن ينظروا في وجهه، يقول أبو سفيان: (فوالله لولا الحياء من أن يأثِروا -ينقلوا- عليَّ الكذب لكذبت عليه) وهذا دليل على أن الكذب في الجاهلية كان عيباً كبيراً، وربما كان أبو سفيان يضمن أنهم لو كانوا وراءه لن يكذبوه؛ لأنهم مشتركون في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما الذي منع أبا سفيان من الكذب؟ حتى لا يُنقَل عن سيد قريش إذا رجعوا أنه كَذَب؛ وهذا عيب كبير.
قال أبو سفيان: (فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف) يعني: هرقل، والأقلف: غير المختون.
سأله عن النسب؛ وهذا يدل على أن هرقل يعلم بأن الأنبياء تُبعث في أنساب قومها، حتى لا يطعن أحد في نسب النبي، فيكون معروفاً لدى كل القوم نسب القبيلة التي يُبعث فيهم.