من الأصول المهمة جداً عند أهل السنة والجماعة المتعلقة بقضايا الإيمان: أن الإيمان يزيد وينقص.
يقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: إيماننا يزيد بالطاعات ونقصه يكون بالزلات هذه هي المسألة الأولى من المسائل الستة التي ذكرها الشيخ حافظ الحكمي في معارج القبول في الجزء الثاني، وهي: أن الإيمان يزيد وينقص، ولهذا ترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، وهو قول وفعل يزيد وينقص، قال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]، الإيمان يزيد مثل الترمومتر يرتفع وينزل، فالإيمان شيء يخص كل إنسان في نفسه، كلما ازددت من الطاعات ومن الأعمال الصالحة تشعر بزيادة الإيمان، إذاًً: هذا هو الداء الذي يشكو منه كثير من الناس، يشكون من نقصان الإيمان في قلوبهم، ونقصان اليقين، حتى التصديق في حد ذاته واليقين الذي هو عمل من أعمال القلب.
هذا أيضاً يزيد بكثرة التأمل والتفكر في خلق الله تبارك وتعالى وفي آياته، ألم تر إلى إبراهيم عليه السلام: هل كان يشك أن الله تبارك وتعالى قادر على أن يحيي الموتى؟ لا، وبلا شك أن إبراهيم عليه السلام كان موقناً بذلك {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة:260]، أي: أنا مؤمن ومصدق بذلك عن علم ويقين، فهو يريد حق اليقين وأن يرى ذلك بنفسه، أو يرى عين اليقين بعينه {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة:260]، إذاً: كان عنده أصل الإيمان والتصديق واليقين القوي في قدرة الله، لكن لا يوجد العلم الذي هو أقوى؛ لأن العلم درجات، فهناك: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، لو أخبرتك بأن في هذه الحجرة إناء فيه عسل فصدقتني ولم تشك في أمري، فهذا علم اليقين، فإذا أدخلتك فيها ورأيته فهذا عين اليقين لأنك رأيته بعينك، فإذا ذقته فهذا حق اليقين، إذا سمعت بأن هناك كعبة في مكة المكرمة، وكنت لا تتردد في ذلك أبداً في التصديق بهذا الخبر، فهذا علم اليقين، فإذا ذهبت هناك ورأيتها فهذا عين اليقين، فإذا لمستها فهذا حق اليقين، فلذلك لما قال له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]، إذاً: اليقين يزداد ويقوى بزيادة التدبر، ورؤية آلاء الله عز وجل، وإعمال الفكر في خلق الله تبارك وتعالى، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
كذلك الكفار يقول تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37]، فالكافر يزداد كفراً على كفره، ويزداد ظلمات فوق الظلمات، وقال تبارك وتعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13] إذاً: الهداية أيضاً تزيد، وقال عز وجل: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:76]، ويقول تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17]، وقال تبارك وتعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31]، وذلك لما أتى الخبر بأن عدد خزنة النار من الملائكة تسعة عشر {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30]؛ فانقسم الناس إزاء هذا الخبر إلى أقسام، فالمؤمن هو مؤمن أصلاً، فحينما يعرف شيئاً جديداً من مسائل دينه وأركان عقيدته ويؤمن به يزداد إيماناً قال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31] بهذا الخبر، {وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المدثر:31]؛ لأن أهل الكتاب سيجدون أن هذا موافق لما عندهم في كتبهم، فلا يشك في صدقه، وأنه يخرج من مشكاة واحدة.
أما الكافرون فيزدادون كفراً؛ لأنهم أصلاً غير مصدقين، فإذا كذبوا بشيء جديد من أقوال الوحي فإنهم يزدادون بعداً من الله ويزدادون في الكفر والعياذ بالله! قال تبارك وتعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22].
وقال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان، وساق حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله).
فانظر إلى كلمة: (أكمل)، فهذا دليل أيضاً على أن الإيمان يزيد ويكتمل، وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر النساء! تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار).
والشاهد: قوله في آخر الحديث: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرأي منكن).
كما يقول بعض الشعراء: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا لأن كيدهن عظيم إذا لم يتقين الله، فلذلك تجد المرأة مع ضعفها قد تغلب الرجل وتقهره وتتسلط عليه، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين)، مع نقصان عقلهن ودينهن إلا أنهن يقدرن على أن يغلبن ذوي الألباب، (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرأي منكن)، الشاهد هنا قوله: ناقصات العقل والدين، ناقصات العقل المقصود به: شهادة المرأة، فهي بنصف شهادة الرجل، أما في الدين: فإنها إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي، في حين أن الرجل يصوم ويصلي.
المقصود: أن كل مرأة لا تؤدي هذه الفرائض بسبب الحيض، فإن ذلك يعد نقصاناً في دينها، فهذا أيضاً يثبت هذه القاعدة.
وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها قول لا إله إلا الله)، وفي بعض الروايات: (بضع وستون)، وفي بعضها: (بضع وسبعون شعبة)، أيضاً الإمام النسائي حينما ترجم للحديث قال: باب زيادة الإيمان.
وذكر في باب زيادة الإيمان حديث الشفاعة؛ لأن حديث الشفاعة في حد ذاته بمنطوقه يدل على تفاضل أهل الإيمان فيه، فمنهم من يدخل الجنة مع السابقين، ومنهم من يكون أقل، ومنهم من يدخل النار، ثم يخرج من بقي في قلبه مثقال حبة من إيمان من أهل التوحيد؛ فهذا كله يدل على أن أهل الإيمان يتفاضلون فيه، أما الزيادة والنقص فدلالته عليها مفهوماً لا منطوقاً، يعني: الزيادة ثابتة بهذه الأدلة، أما النقص فيأتي إن شاء الله تفصيل الكلام فيها.
بعض العلماء يرى أن النقص مأخوذ من هذه الأدلة عن طريق المفهوم لا عن طريق المنطوق، والمنطوق: هو اللفظ الوارد في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير).
أما المفهوم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكره لأخيه ما يكره لنفسه).
فهذه الأدلة فيها أن الإيمان يزيد، وكل ما كان قابلاً للزيادة فهو قابل للنقصان، فبعض الناس كان يحتج بالأحاديث الواردة في عقوبة من اقتنى كلباً لغير صيد أو ماشية، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان)، فكل يوم ينقص من أجره قيراطان.
فتباً لهؤلاء الذين يقلدون الكفار! تجدهم يعتنون بالكلاب أشد عناية، حتى المجلات تحاول أن تزرع هذه المفاهيم الكفرية في الأطفال الصغار، فتجد مثلاً في بعض المجلات صورة فأر، فيعودون الطفل على استحسان الفأر ومحبته واستظرافه، أو خنازير، أو كلاب إلخ.
وهكذا إلى أن يرسخ حبه في قلبه بعد موته، فيحتفظ بجسم هذا الصنم في البيت وفاءً لذكراه، غير النعي الذي يكتب في الجرائد لموت الكلب، وسيما القداس في الكنيسة لأجل موته إلى آخر هذه الأشياء التي نحمد الله أن عصمنا منها، فيريد بعض الإمعات أن يعيدوا لنا مظهراً من مظاهر التقدم إلى الوراء، الشاهد: فهذا كلب يعامل هذه المعاملة، في حين أن الرسول عليه الصلاة والسلام يخوفنا أن من اقتنى كلباً لغير هذين الهدفين كلب صيد أو ماشية أو حراسة أرض؛ فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم، يعاقب أن ينقص أجره من الأعمال الصالحة التي يعملها قيراطان كل يوم.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث: (رأيت الناس وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي) إلى آخره، فهذا يفهم منه تفاوت الناس في الإيمان، حتى قال: (وعرض علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين)، يعني: قوته وشدته في دينه، رضي الله تبارك وتعالى عنه.
ويقول الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]، روى طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً من اليهود قالوا له: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ} [المائدة:3].
قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة، وعلى ذلك ترجم أبو داود وغيره من أئمة السنة.
أيضاً استدل بها الإمام مسلم بن الحجاج وذكر بسنده عن حنظلة الأسيدي وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا لقي بعضهم بعضاً يطمئنون على أحوالهم الإيمانية، كيف حالك مع الله؟ أنت في ازدياد أم في نقصان؟ فهذا هو الذي ينبغي أن يشغل المسلمين، لا أ