قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، ففرق بين قتاله وسبابه، وجعل السباب- فسوقاً لا يكفر به، والآخر -القتال- كفراً، ومن المعلوم أنه أراد هنا الكفر العملي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان، هذا التفسير هو قول الصحابة رضي الله عنهم الذين هم أعلم هذه الأمة بكتاب الله، وأعلم الأمة بالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين الذين أتوا بعد الصحابة ما فهموا كما فهم الصحابة، فانقسموا فريقين: فريق أخرجوا العاصي من الملة بالكلية وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، واستدلوا بالأدلة التي فيها نص على بعض الكبائر بالكفر وقالوا: من يفعل هذه الأشياء كافر وخارج من الملة.
وفريق آخر اشتط في الجانب الآخر وجعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان، وهم المرجئة، فالخوارج ومن تابعهم غلوا وهؤلاء فرطوا، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل: أن هذا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم.