أما بالنسبة لفريضة الجمعة فقد ذكرنا أنهم أراحوا أنفسهم، بل أتعبوها -بلا شك- حق التعب حينما أخذوا موقفاً خطيراً وجريئاً من فريضة الجمعة، فهم يسقطون فريضة الجمعة إلى الأبد؛ لأنهم يوقفون إقامتها أن إلى أن يمكنهم الله في الأرض ويقيموا دولتهم.
وهذا التمكين إنما هو حلم وهمي في رءوسهم فحسب؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما يمكن في الأرض الصالحين من عباده الذين آمنوا وعلموا الصالحات، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105].
ونريد من الإخوة دائماً أن يستحضروا خطر البدع بالنسبة للمعصية، كالوقوع في بدع العقيدة، مثل تأويل صفات الله عز وجل، ومثل هذه بدع الخوارج أو غيرها التي هي أخطر بكثير من الوقوع في معصية من المعاصي، فينبغي استحضار هذا؛ لأن من الولاء والبراء أن تعادي من يشذ عن منهج أهل السنة والجماعة من الفرق النارية التي ذمها الله وذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول الله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:55].
يقول: لما كان هذا التمكين لا وجود له مطلقاً فقد قلت: إنهم يسقطونها إلى الأبد.
ويقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9].
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم فليكونن من الغافلين)، رواه مسلم.
فترك صلاة الجمعة بدون عذر من الذنوب العظيمة، ومن كبائر الذنوب، والعقوبة المترتبة عليه شديدة جداً، يقول عليه الصلاة والسلام: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات -والودع هو الترك- أو ليختمن الله على قلوبهم فليكونن من الغافلين).
ويعاقبهم الله بأن يسلط الغفلة على قلوبهم {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19].
وعن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق على كل مسلم في جماعة، إلا عبداً أو صبياً أو امرأة أو ضريراً)، وهناك خلاف في تصحيح هذا الحديث.
والمهم أنه قد يقيناً أن الجمعة فرض عين على كل مسلم، فيحرم على أحد من الناس أن يسقط وجوبها والعمل بها، ولو لخير من الزمان إلا بدليل قطعي يقيني.
وقالت فرقة الهجرة: إن فريضة الجمعة لها شروط إذا توافرت أقيمت الفريضة، وإلا توقفنا عنها حتى تستوفي شروطها، وشرط في إقامة الجمعة التمكين، فلا جمعة مع هذه الصراعات.
يقول: ويبدوا أن أئمة هذه الفرقة قد شعروا بسخافة هذا الكلام، فحاولوا أن يضيفوا إليها سنداً آخر، فطبقوا عليها قاعدة: تعارض الفرائض، وهذه من الطامات الكبرى التي ابتليت بها هذه الفرقة الضالة، زينوا لأنفسهم وأتباعهم الكثير من المعاصي بسبب هذه القاعدة المشئومة، فاستباحوا بها المحرمات بلا استثناء، بادعاء أن هذا المحرم أو ذاك يتعارض مع ما هو أهم منه، وأقرب بزعمهم، ومقياس الفريضة، والأقرب عندهم هو التكتيك الحركي للجماعة، أو -حسب تعديلهم- هو مدى قرب أو بعد هذه الفريضة بالنسبة للغاية التي يسعون إليها، فدخلت -أيضاً- قضية الحركية والتكتكة ونحو هذه الأشياء، فوصل بهم الأمر إلى أنهم ارتكبوا بعض هذه الكبائر بحجة أن هذا يتعارض مع الفريضة التي نسعى إليها، وهي التمكين، فمن أجل ذلك التمكين استباحوا كثيراً من المحرمات، ولا شك في أنه قد حصلت قصص ومآسٍ عن استحلال أو فعل المحرمات من هؤلاء المبتدعين بسبب هذه القاعدة الإبليسية، أعني قاعدة تعارض الفرائض، حيث زين لهم الشيطان ارتكاب الموبقات بحجة أن قاعدة تعارض الفرائض.
فقالوا: إن الضرورة الأمنية لحركة الجماعة تستدعي التوقف عن العمل بفريضة الجمعة.
وما أشأم هذه الضرورات الأمنية التي بها الناس يتنازلون عن دينهم، ويترخصون في ارتكاب كثير من المعاصي بسبب الضرورة الأمنية لحركة الجماعة التي تستدعي التوقف عن العمل بفريضة الجمعة.
والذي يهمنا الآن هو الدليل الشرعي لفرقة التكفير والهجرة على شرط التمكين، فاستدلوا ببعض الأحاديث على أن التمكين هو شرط إقامة الجمعة، والرد -باختصار- على ما استدلوا به من هذه الأدلة وهو أن الله عز وجل أثبت في كتابه أن اليقين لا يزول بالظن والتخرص، وأن الظن لا يغني من الحق شيئاً، فمن أراد أن يسقط فرضاً ثابتاً بيقين -كفرض الجمعة- فعليه أن يأتينا بدليل يقيني يثبت دعواه، وأما هؤلاء فعامة الآثار التي استدلوا بها حكايات وغرائب لا تثبت، فهي مردودة عليه.
يقول في نهاية البحث: وعموماً فإن كل ما بني على الباطل فهو باطل، إذ إن عدم حكمهم على غيرهم بالإسلام وتوقفهم فهيم جعلهم حتى لو أرادوا أن يقيموا هذه الفريضة فلن يجدوا المسجد الذي يصلون فيه، ولا الإمام الذي يصلون خلفه، فهي إذاً متاهة بدءوها وزينها الشيطان لهم، ولابد أن تحكمهم بالسير في دروبها، ولن يخلصوا منها إلا إذا أراد الله لهم الهداية: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد:33]، فهذا باختصار ما يتعلق بقضية المساجد، وقضية الصلاة خلف الأئمة برهم وفاجرهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك -اللهم ربنا- وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.