نحمد المجلة على التنبيه على شيء لا يحتاط فيه كثير من الناس، وهو أننا نلاحظ الكثير من الناس يعتقد أنك إذا لم تقل: الشهيد سيد قطب، أو الشهيد حسن البنا، أنك تنتقصه، وتنقص من قدره.
هذا غير صحيح.
لأن المعروف من حيث الأدلة الشرعية أنه لا يجوز الجزم بأن فلاناً شهيد إلا بدليل من الوحي، لكن أنت ترجو له الشهادة، أنت تدعو له بها، لكن لا تجزم أنه شهيد، لماذا؟ ترجم الإمام البخاري لبعض الأحاديث، قال: باب لا يقال فلان شهيد، وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (الله أعلم بمن يقتل في سبيله، الله أعلم بمن يكلم - يعني: يجرح- في سبيله)، فأمر الإخبار بحقيقة الخاتمة هذا أمر مغيب علينا، ولا يملك أحد الاطلاع عليه، حتى في حق الكافر، أنت لا تحكم عليه قطعاً بأنه في النار إلا بدليل من الوحي، وهذا نص عليه العلماء في العقيدة السلفية كما في شرح الطحاوية قال: ونرجو للمحسنين من المؤمنين، ونخاف على مسيئيهم، ولا نقطع لأحد بجنة ولا بنار، يعني: إلا بالوحي.
والبخاري ذكر باب لا يقال فلان شهيد، وذكر هذا الحديث، واستدل بقصة ذلك الرجل الذي اشترك في الجهاد واسمه قزمان، وأبلى بلاء حسناً، فأتى بعض الناس وأثنى عليه أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما أعظم ما جاهد هذا الرجل، وكان اليوم فعل كذا وكذا، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هو في النار).
ففي اليوم التالي لما بدأ القتال، أخذ هذا الصحابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يراقب ذلك الرجل الذي كان يجاهد بشدة وقوة وجلد، إلى أن جرح ذلك الرجل، ثم لما انزعج من هذا الجرح وآلمه بشدة، وضع مقبض السيف على الأرض، وجعل ذبابته بين ثدييه، ثم اتكأ عليه حتى نفذ السيف من ظهره.
حينئذ هرع ذلك الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، فاستطلع منه النبي عليه الصلاة السلام الخبر، فقال: الرجل الذي قلت بالأمس إنه من أهل النار، حصل منه كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، حتى إذا لم يبق بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: ما يحصل بعد الموت لا يجوز الجزم والقطع به.
وأيضاً مما يستنكر أحياناً: أن بعض الكتاب يقولون: المرحوم فلان، كأنك تجزم أنه رحم، والحق أن تقول: فلان رحمه الله، فعندما تقول: فلان رحمه الله، تثاب على ذلك لدعوتك لأخيك، ثم تنفعه أيضاً بهذه الدعوة إذا استجمعت شروط الإجابة.
ختم الباحث في مجلة البيان البحث بقوله: هذه أهم الجوانب التجديدية عند الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وعندما ابتلاه الله بالسجن والتعذيب والتهديد بالقتل صبر على ذلك صبراً شديداً، رغم ما كان يعانيه من أمراض وضعف في جسمه، ولم يتراجع عن مواقفه الإسلامية رغبة أو رهبة، ولهذا فقد تضاعف رواج كتبه بعد تنفيذ حكم الإعدام به، ومما ساعد على انتشارها: عذوبة الأسلوب، وإشراقة الديباجة، ومتانة العبارة، وقوة الحجة، وحضور البديهة.
يقول: وقل أن تجد داعية وليس في مكتبته كتاب من كتب سيد قطب، وفضلاً عن ذلك فقد ترجمت هذه الكتب إلى معظم لغات العالم.
رحم الله الأستاذ سيد قطب رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين كل خير.