الاتجاهات الفكرية والعلمية قبل سيد وغربتها

صحيح كانت دعوة أنصار السنة موجودة، وبالذات فطاحل أنصار السنة في الأجيال القديمة التي كان فيها أئمة وعلماء يشار إليهم بالبنان، لكن الظاهر أنه لم يكن لهم التأثير الواسع على قطاع عريض من الشباب كما حصل فيما بعد من قيام دعوة الأستاذ حسن البنا رحمه الله، فالأستاذ حسن البنا لما حصل صراع في المجتمع في الوسط الإسلامي، كان الصراع على أشده بين الاتجاهين، الاتجاه السلفي ممثلاً في أنصار السنة، والاتجاه الصوفي الأشعري، وكان الصراع على أشده، والشيخ حسن البنا رحمه الله أراد أن يجلب صيغة توائم الاتجاهين وتجمع بينهما، أو لا تنحاز إليهما بالكلية، وحصل اتجاه الإخوان المسلمين كما هو معروف.

الشاهد: أن الوضع الذي وصلت إليه الدعوة الآن من حصول وضوح المفاهيم، ومظاهر الصحوة الإسلامية هذه ما أتت من فراغ، بل مرت بفترات طويلة، وأنا أقول هذا حتى لا نجحد فضل السابقين الذين سبقوا إلى هذه الدعوة حتى لو اختلفنا معهم في كثير من القضايا، وينبغي أن نعلم أن دعوة كل جيل لا تنشأ من فراغ، إنما تتأثر بصورة أو بأخرى بمن سبقوه على هذا الطريق، فما ينبغي الجحود بالنسبة لفضل هذه الجماعات، سواءً جماعة أنصار السنة المحمدية، أو جماعة الإخوان المسلمين، حتى لو حصل اختلاف معهم في كثير من الأمور.

ثم بعد فترة الستينيات هذه وصل الإسلام في المجتمع إلى غربة شديدة جداً؛ فقد كان لا يرى في المجتمع شخص ملتح إلا القسيس، وكان الإخوة حينما يمشون في الشوارع باللحية كان الأطفال يضربونهم بالحجارة، وينشدون أناشيد معينة يحفظونها يشتمون بها القساوسة، لماذا؟ لأنه يعرف أن القسيس هو الملتحي، وما يعرف أن المسلم يجب أن يكون ملتحياً.

فهذه كانت الغربة، كانت المساجد لا يرى فيها إلا كبار السن، أما الشباب الذي هو عصب الدعوة، والذي يرجى من ورائه العمل للإسلام فلا يرى له أي اتجاه إلى الدعوة الإسلامية، بل بعض الناس كان يخاف من الذهاب لصلاة الفجر حتى لا يقبض عليه، أو حتى صلاة الجماعة، ولعل بعضكم عاصر هذه الفترة، ورأى ولمس قوة الصراع الذي كان يحدث داخل الأسر بمجرد أن يلتحي أو يصلي في المسجد.

ثم بفضل الله تبارك وتعالى، وبفضل النشاط الدعوي، حصل أن هذه الغربة زالت إلى حد ما في مجتمعنا اليوم.

الشاهد من هذا الكلام أننا لا ينبغي أن ننظر إلى الدرجة العليا من السلم، أو التي وصلنا إليها، لكن ننظر أيضاً إلى أن هناك خطوات سبقت، وبناءً على هذه الخطوات وصلت الدعوة إلى ما وصلت إليه، فبتر النضوج الفكري عند الأستاذ سيد قطب رحمه الله تماماً عمن سبقه، لا نحسب أنه من الإنصاف بصورة أو بأخرى؛ فلئن كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إماماً مجدداً؛ لكن هل عمر بن عبد العزيز نشأ من فراغ، أم أن هناك بيئة صنعته؟ هناك من تعلم عليهم عمر بن عبد العزيز، هناك من أدبه، هناك من رباه، هناك من صنعه بعد عناية الله تبارك وتعالى به، أي إمام مجدد مثل الإمام الشافعي، أو شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينبغي أن ننكر أثر البيئة التي خرج منها هذا المجدد، أو هذا العالم، أو هذا الإمام.

هذه كلمة عابرة قبل أن نستطرد في ذكر أهم الجوانب التجديدية في دعوة الأستاذ سيد قطب رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015