الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك: وذلك بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً، فإن الإيمان لا يكون فيه إلا علم اليقين، لا علم الظن، وما من شك أن الظن أعلى من الشك، ومع ذلك الإيمان لا يصلح فيه الظن، ولابد من اليقين، فإذا دخل الريب والشك في القلب نقض الإيمان، ولا يلتفت في ذلك إلى الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب المؤمن، وإنما هذه حيل من الشيطان ليدخل القلب فيسرق منه الإيمان، فقد يوسوس للإنسان أحياناً ببعض الأفكار، لكنها لا تستقر في قلبه، إنما تمر مروراً عابراً حين يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذه من علامات الإيمان الصريح، كما قال عليه الصلاة والسلام حينما شكا له الصحابة منه، فقال: (ذلك صريح الإيمان)، ولا يجزع الإنسان إذا ابتلي بشيء من هذه الوساوس، لكن يفزع إلى الذكر، وأن يكف عن هذه الوساوس؛ لأن السارق لا يدخل بيتاً يعلم أنه بيت خرب، لا يوجد فيه أي شيء له قيمة، لماذا يدخله؟ وماذا يسرق منه؟ لكنه يدخل البيت الذي يحتوي على الأشياء الثمينة حتى يسرقها، فكذلك الشيطان رد الله كيده، وعلى المؤمن أن يصبر على وسوسته، فإذا ذكرت الله انخنس وهرب؛ فلذلك قال عليه الصلاة والسلام لما شكا له الصحابة ذلك: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، لا يستطيع أكثر من ذلك، فلا عبرة بهذه الوسواس الذي طرق قلب المؤمن من فعل الشيطان الرجيم، وإنما الذي يناقض اليقين هو الريب والشك في أمر الله والعياذ بالله! أن يشك إنسان في وحدانية الله، أو في وجود الله، أو في أن عيسى هو الله إذا شك في عقيدة من هذه العقائد المعلومة من الدين بالضرورة نقض إيمانه وهدمه تهديماً، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15]، الشرط: لا يرتاب أبداً فيما لديه من الإيمان؛ ولذلك أصل كلمة العقيدة من العقد أو العقدة، حينما تربط العقد وتعقده فهذه العقدة المفروض أنها تدخل الإيمان في قلبك وتعقد عليها بحيث لا يستطيع القلب أن يتفلت من هذه الأعقاد، فهذا معنى العقدة التي يعقدها الإنسان في قلبه فلا ينقضها ولا يحلها أبداً، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15]، فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي: لم يشكوا، أما الريبة فمعلوم أنها من شأن المنافقين الذين يشكون في إيمانهم، وقد قال الله عز وجل فيهم: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:45].
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا أدخله الجنة).
واليقين ليس شرطاً أن نأتي به بدون دليل، وإنما يفهم من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله) أي: وهو يعلم معناها، بدليل هذا الحديث الأول: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة).
كذلك يضاف إليه: من مات وهو يقول هذه الكلمة بلسانه، ويعلم معناها، ويوقن بها غير متردد في صدقها وأحقيتها، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)، وفي رواية: (لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما لا يحجب عن الجنة)، أي: لا يحجب عن الجنة من لقي الله وهو موقن غير شاك بهاتين الشهادتين.
وفي الصحيح عنه أيضاً رضي الله عنه في حديث طويل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه، فقال: من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة)، فاشترط في دخول قائلها الجنة: أن يكون مستيقناً بها قلبه، غير شاك فيهما، ومعلوم أنه إذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
فهذه الشروط التي نذكرها لابد من اجتماعها كلها، ولا يصلح بعضها مع فقدان واحد منها.