فضائل لا إله إلا الله

من فضائل لا إله إلا الله ما ذكره صاحب معارج القبول في الجزء الأول صفحة (369) قال: وقد حوته لفظة الشهادة فهي سبيل الفوز والسعادة من قالها معتقداً معناها وكان عاملاً بمقتضاها في القول والفعل ومات مؤمناً يبعث يوم الحشر ناج آمناً يقول: (وقد حوته) أي: جمعته واشتملت عليه (لفظة الشهادة) أي: شهادة أن لا إله إلا الله (فهي) أي: هذه الكلمة (سبيل الفوز) بدخول الجنة والنجاة من النار، قال الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185]، (و) هي سبيل (السعادة) في الدارين، أي: طريقهما لا وصول إليهما إلا بهذه الكلمة، فهي الكلمة التي أرسل الله بها رسله، وأنزل بها كتبه، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة، والجنة والنار، وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة، وبها تؤخذ الكتب باليمين أو الشمال، ويثقل الميزان أو يخف، وبها النجاة من النار بعد الورود، وبعدم التزامها البقاء في النار، وبها أخذ الله الميثاق، وعليها الجزاء والمحاسبة، وعنها السؤال يوم التلاق؛ إذ يقول تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93]، وقال عز وجل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:6].

فأما سؤاله تعالى الذين أرسل إليهم يوم القيامة، فمنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65]، والآيات قبلها وبعدها وغير ذلك.

وأما سؤاله المرسلين فمنه قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:109]، وغير ذلك من الآيات، وهي أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده أن هداهم إليها.

فأعظم نعمة في الوجود على الإطلاق: أن هداك الله لقول: لا إله إلا الله والإيمان بها، هذه أعظم نعمة في الوجود كله، ولا شك أن كلمة هذا شأنها تكون أخطر وأعظم كلمة ينطق بها الإنسان، فهي إن قلتها حجبت عن النيران، وتفوز بالبقاء بلا نهاية في الجنة، وإذا حدت عنها واستكبرت؛ تخلد بلا نهاية في أشد أنواع العذاب والإيلام.

قال: ولهذا ذكرها الله في سورة النحل التي هي سورة النعم، فقدمها أولاً قبل كل النعم.

قدم الله تبارك وتعالى إنعامه على عباده بقول لا إله إلا الله على كل نعمة أخرى في سورة النعم، فقال الله تبارك وتعالى في أول سورة النعم التي هي سورة النحل: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:2]، فأول نعمة وأعظم نعمة صدرت بها سورة النعم هي نعمة لا إله إلا الله.

والقرآن يشير كثيراً جداً إلى أهمية التوحيد، والتوحيد هو لا إله إلا الله، فالقرآن يكثر من الدعوة إلى التوحيد، وتهديم الشرك وأهله، والإخبار عما حل بذويه، وعما يثيب الموحدين ويجزيهم خير الجزاء، فهذا هو شأن القرآن، فهو أفضل كتاب في التوحيد، وكلمة الله في التوحيد، فالقرآن إما عن التوحيد، أو حقوق التوحيد أو جزاء التوحيد، بيان ذلك: أن القرآن إما أنه خبر عن الله، وعن أسمائه وصفاته، وهذا توحيد علمي خبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وهذا التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته؛ فلذلك كان من حق التوحيد الأمر بالصلاة؛ لأنها من حق لا إله إلا الله كما جاء في حديث أبي بكر، فجميع الأوامر والنواهي هي من حقوق التوحيد، وإما خبر عن إكرامه تبارك وتعالى لأهل التوحيد، فهذا يكون جزاء التوحيد، وإما خبر عن أهل الشرك وما يعاقبهم به، فهو جزاء من نبذ التوحيد، وإما إخبار عن هلاك الأمم السابقة الذين رفضوا التوحيد، وهكذا.

يقول تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء:108]، فإذا قلت: ما الدليل على أن كل ما أوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام هو في حق لا إله إلا الله؟ فالجواب هو هذه الآية؛ لأن الله تبارك وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يقول: ((قُلْ إِنَّمَا)) وهذا أسلوب حصر يعني: كل الوحي الذي أنزل على النبي هو هذا، فكل ما أنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد، ((قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)).

إذاً: الكلام في الصلاة، والزكاة، والصيام، وأحكام الصلاة، والزواج، وأحوال الآخرة، والدنيا، والأمم السابقة، وعاقبة المكذبين؛ كل هذا يدور في فلك لا إله إلا الله، ((قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ))، وهذا هو لا إله إلا الله ((فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) فأشار إلى أن ما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد؛ لشمول (لا إله إلا الله) لجميع ما جاء في الكتب؛ لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب.

يقول الشيخ حكمي رحمه الله تعالى: ولهذا ذكرها في سورة النحل -وهي أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده أن هداهم إليها- ولهذا ذكرها في سورة النحل التي هي سورة النعم، فقدمها أولاً قبل كل نعمة فقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:2].

وهي كلمة الشهادة، ومفتاح دار السعادة، وهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره، وساق شجرته، وعمود فسطاطه، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها، متشعبة منها، مكملات لها، مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]، قاله سعيد بن جبير والضحاك.

وهي العهد الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:87]، لا يملكون الشفاعة إلا من قال: لا إله إلا الله، هذا هو العهد، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: هو شهادة أن لا إله إلا الله، والبراءة من الحول والقوة إلا بالله، وألا يرجو إلا الله عز وجل.

وعن الأسود بن يزيد قال: قرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذه الآية: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:87]، ثم قال: اتخذوا عند الله عهداً، فإن الله يقول يوم القيامة: من كان له عند الله عهد فليقم؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! فعلمنا ماذا تقصد؟ قال: قولوا: (اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة؛ فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عملي يقربني من الشر ويباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهداً تؤديه إلي يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد) وكان يلحق ابن مسعود بهن: (خائفاً مستجيراً مستغفراً راهباً راغباً إليك).

وهي الحسنى في قول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7] قاله أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك ورواه عطية عن ابن عباس.

وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86].

وهي كلمة التقوى التي ذكر الله عز وجل في قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:26].

وهي القول الثابت الذي ذكر الله عز وجل إذا يقول تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27].

وهي الكلمة الطيبة المضروبة مثلاً في قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24].

قال علي بن طلحة عن ابن عباس: أصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها العمل الصالح في السماء صاعد إلى الله عز وجل، وكذا قال الضحاك وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغير واحد.

وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160].

قال أبو ذر: قلت: (يا رسول الله! أخبرني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها، قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات، قال: هي أحسن الحسنات).

وقال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل:89] بلا إله إلا الله {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل:89] يعني: أكثر ثواباً {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89].

وهي المثل الأعلى الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم:27].

وهي سبب النجاة كما في الحديث: (إن الله حرم على النار من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015