تقدم كلام صاحب كتاب (حد الإسلام) التفصيلي في تقريره لما أسماه بـ: حد الإسلام، والذي ذهب إلى أنه يتكون من ثلاثة أركان: الحكم، والولاية، والنسك، وأن مقصوده بركن الحكم: قبول شرع الله ورفض ما عداه، ومقصوده بالنسك: إفراد الله بالعبادة، ومقصوده بالولاية: موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين.
هذا هو ما أسماه بـ: حد الإسلام، والذي لا يكون المرء مسلماً إلا باستيفائه، والذي يتوقف على استيفائه منذ البداية ثبوت عقد الإسلام، وصححنا هذا الكلام على أساس أن الذي ذكره ليس هو حد الإسلام الذي يتوقف على تحققه بادئ ذي بدء ثبوت عقد الإسلام، وإنما هذه هي حقيقة الإسلام الذي يتوقف عليها بقاء الحكم بالإسلام.
أما ما يتوقف عليه ثبوت عقد الإسلام فهو الإقرار المجمل بتوحيد العبادة، والالتزام المجمل بتوحيد الألوهية، وهو الذي يكفي في التعبير عنه كلمة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فمن أقر بالشهادتين ظاهراً وباطناً فقد ثبت له عقد الإسلام، ثم تأتي بعد ذلك تفاصيل هذا الإجمال، وتعلمه الناس تباعاً، ولا يتوقف الحكم بالإسلام على الإحاطة بها منذ البداية، لكنها تشترط لبقاء الحكم بالإسلام واستمراره بعد ثبوت العقد المجمل.
وذكرنا أن هذا الإقرار المجمل هو الذي لا عذر فيه بالجهل، فكل من لم يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فليس بمسلم مهما كان مآله في الآخرة.
أما تفاصيل ومفردات العبادة، وتفاصيل الشرك وصوره؛ فهذا الذي أتى ببيانه الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فالإنسان ملتزم إزاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يقر إقراراً مجملاً بتوحيد الألوهية، وإقراراً مجملاً بالعزم على الالتزام بما يشرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما يبلغه من هذه الشرائع، ثم إذا أردنا الحكم على الإنسان فيجب أن نضع في اعتبارنا أولاً: عامل الجهل، وناقشنا هذا الكلام بشيء من التفصيل، أما العامل الثاني بعد عامل الجهل الذي ينبغي أن نراعيه فهو: اعتبار التأويل.
حينما نطبق تفصيلياً قضايا التبديع والتكفير في مجال الحكم على معين من الناس يجب أن نراعي قضية التأويل، ففي مجال النسك مثلاً لابد أن نفرق بين من يجترءون على الوقوع في الشرك بغير تأويل ولا شبهة، وبين من يتلبسون بشيء من ذلك تعلقاً بتأويل الكاتب، أو انطلاقاً من شبهة عارضة مع استمساكهم بعقد الإسلام، وإيمانهم ظاهراً وباطناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الجهل قد يكون عذراً كما ذكرنا في بعض الأحوال، فكذلك التأويل قد يكون عذراً، وقد أجمع علماء المسلمين على أن الذي يتأول لا يكفر، وقد يأثم لقوله على الله بغير علم، لكنه لا يكفر؛ لأن هناك فرق بين المتأول وبين المكذب تكذيباً صريحاً، وحينما نضرب الأمثلة التي نذكرها في قضية التأويل أو قضية الإكراه فليس المقصود هو الدفاع عن هذه التأويلات، فنحن لا نشك أن هذه التأويلات كاذبة، لكن نحن ننظر إليها من جهة أخرى، وهي: أن هذا التأويل يعتبر عذراً لقائله، أو عذراً للآخذ به من حيث منع تكفيره بعينه، لا من حيث الاعتراض على فساد هذا التأويل منذ البداية.