أما في باب الموالاة: فقد يجهل بعض الناس أن هذه الصورة بعينها من الموالاة مما يخرج صاحبها من الملة؛ لأن مسمى الولاية لأعداء الله يقع على شعب متفاوتة تتفاوت من المعصية إلى الكفر، واختلاط هذه بتلك مما قد يلتبس على كثير من أهل العلم، فما بالك بالعامة وأشباه العامة؟ من ناحية أخرى قد يجهل الناس كفر هذا الذي يتولونه؛ لأن كفره لم يصل إلى حد معلوم بالضرورة من الدين، فيقعون في الموالاة له لا باعتبار أنه كافر، ولكن باعتباره من عصاة أهل القبلة الذين نواليهم لإسلامهم ونبغضهم لعصيانهم، ولقد وجد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يتولى عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق في المدينة جهلاً منهم بحاله، ووجد في تاريخ الإسلام من يتولى ابن عربي النكرة وغيره من أئمة الكفر جهلاً بحالهم، أو إحساناً للظن بهم، وفي هؤلاء من الفقهاء والعلماء عدد كبير من يدافع عن ابن عربي أو يحسن الظن به، أو يتأول له فيما نطق به من الأشياء الفظيعة، فمثلاً: القاسمي إمام من أئمة العلم ورجل له دوره في التجديد في دعوة الإسلام، ومع ذلك فهو ممن اعتذر وتلطف مع ابن عربي، وهكذا الإمام ابن حجر الهيتمي صاحب الزواجر، والإمام ابن عابدين الحنفي صاحب الحاشية المعروف، وغيرهم كثيرون، فالغالب في أخطاء العلماء أن مردها إلى التأويل، والغالب في أخطاء العامة أن مردها إلى الجهل.
فالمقصود من هذا الكلام: أن نمهد السبيل لعذر العامة، فإن عذر الجهلة والعوام أولى من عذر الفقهاء والأعلام.