قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)، فهذا عمر التوبة في حق عمر الدنيا كلها، إذ التوبة لها أجلان مثل القيامة، فكل إنسان له قيامة يبدأ بها في المراحل الأولى منها من اليوم الآخر بانكشاف الحجب عند خروج الروح، ثم ينتقل من دار التكليف إلى دار الجزاء، من دار الامتحان إلى دار ظهور النتيجة، فبمجرد أن يعاين الإنسان الملائكة وهي تأتي لتقبض روحه من هنا بدأت أول خطوة في رحلته إلى اليوم الآخر الخاص به.
فهناك خروج الروح، والصعود بها إلى الملأ الأعلى على تفصيل في ذلك، ثم هناك أيضاً الرجوع إلى ما يحصل عند القبر وسؤاله وامتحانه، ويفتح له باب إلى الجنة أو إلى النار إلى آخر هذه الأحداث.
لما سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن الساعة: (متى الساعة؟ فنظر إلى أصغر صبي أو غلام في القوم فقال: إن يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم)، معنى الحديث: أنه بعد مرور مائة سنة فإن هذا الغلام الصغير يكبر ويشيب حتى يبلغ عمره الهرم والشيب، ويكون كل هذا الجيل الموجود ممن حضر أو ممن كان على وجه الأرض في هذا الوقت تكون قامت عليهم ساعتهم، أو يكون كل الحاضرين في ذلك الوقت قد ماتوا، فهذه الإضافة تقتضي أن كل إنسان له يوم قيامة خاص به.
وبعد ذلك تنشغل: هل يوم القيامة على وشك الحدوث، كما قال الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187] وهكذا.
هذا بالنسبة لعمر الدنيا كلها قليل، لكن بالنسبة لأعمارنا وحتى الآن هناك علامات كثيرة من العلامات الكبرى لم تحدث حتى الآن، فأنت لا تشغل نفسك بالساعة الكبرى وساعة انتهاء عمر الدنيا، بل بساعتك أنت؛ لأن الموت سيأتيك قريباً في أي وقت.
والساعة ستقوم يوم الجمعة، وهناك أدلة قبلها من نزول المسيح عليه السلام وخروج المهدي، فلا بأس بالجزم بأن الساعة لا تقوم غداً في حق عمر الدنيا، أما الذي يخصك أنت في عمرك؛ فلا.
مثلاً: لو أن هناك لوحة مضيئة فيها آلاف المصابيح، لا يخلو وقت ما من أن بعض هذه المصابيح ينفد عمرها وتحترق ويحصل تبديل أحد هذه المصابيح لكن اللوحة في كل الأحوال مضيئة.
أيضاً: جريان النهر عبارة عن دفعات من الماء يجري بعضها وراء بعض، لكن ذهاب بعض هذه الدفعات لا يعني أن النهر كله يتوقف.
كذلك الحياة هناك من يموت من الناس بين وقت وآخر، لكن هناك من يولدون، فالحياة مستمرة، أجيال تعقب أجيالاً، لكن سيأتي وقت وكل هذه المصابيح ستنطفئ، سيأتي وقت تتوقف فيه تماماً دفقات النهر، سيأتي وقت تتوقف فيه تماماً الحياة على وجه الأرض بالقيامة الكبرى.
كذلك بالنسبة للتوبة لها أجل في حق كل إنسان وذلك قبل الغرغرة، (تقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، يعني: انتقاله من الغيب إلى الشهادة، بعدما كان يسمع عن الملائكة تأتي تقبض الروح فينكشف الحجاب ويرى ما لا يراه حتى الحاضرين معه، كما قال الله عز وجل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85]، وهذا مشاهد فيمن يحضر الذين يموتون، قد يتكلم الميت ويقول: أهلاً، حضرتم، وعليكم السلام، وهكذا يتحدث نتيجة انفعاله بما يراه، والحاضرون لا يرونهم، ومعلومة في ذلك القصص وهي كثيرة جداً ولا نطيل بذكرها.
أما بالنسبة لأجل التوبة في حق الدنيا فإن التوبة تقبل ما لم تطلع الشمس من مغربها، كما جاء في القرآن والسنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، ويختم على عمل كل إنسان، والمؤمن لا يستطيع أن يستزيد من الأعمال الصالحة، والكافر إذا أسلم بعد طلوع الشمس لا ينفعه ذلك ولا تقبل توبته وكأنه مات.