بعد أن استعرض الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى هذه الجملة من النصوص لإبطال مذهب المرجئة شرع في بيان ما تشبث به الخوارج والمعتزلة الذين قالوا: إن من فعل أي معصية يدخل النار ولا يخرج منها؛ لأنه يكفر بالمعصية حتى لو بالذنب دون الشرك ودون الكفر، والله تبارك وتعالى بين أن هناك من الذنوب ما هو شرك وما هو دون الشرك، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فهم يعدون أن كل من أتى ذنباً حتى لو كان من الذنوب غير المكفرة، فإنه إذا دخل النار -بناء على النصوص التي تثبت أن المعاصي تستوجب النار- لا يخرج منها، ومن ثم كذبوا بأحاديث الشفاعة؛ لأنها تبطل مذهبهم بالكلية، وإلا فهل يجوز أن يقال: أخرجوا من النار من ليس فيها؟ أو أن يقال: يخرج من النار من ليس في النار؟ كلا.
فلأن أحاديث الشفاعة تبطل مذهبهم الباطل، ومنها: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)؟ فلذلك كذبوا بها حتى لا تزعجهم ولا تقلقهم.