العاصي لا يخلد في النار وأمره إلى الله

الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في كتابه المبارك (معارج القبول) عنون لها بقوله: العاصي لا يخلد في النار وأمره إلى الله، وقال في المسألة الثالثة: فاسق أهل القبلة مؤمن ناقص الإيمان قال: والفاسق الملي ذو العصيان لم ينف عنه مطلق الإيمان لكن بقدر الفسق والمعاصي إيمانه ما زال في انتقاص ثم قال: ولا نقول إنه في النار مخلد بل أمره للباري تحت مشيئة الإله النافذه إن شا عفا عنه وإن شا أخذه بقدر ذنبه وإلى الجنان يخرج إن مات على الإيمان قوله: (ولا نقول إنه في النار)، يعني: لا نقول: إن الفاسق الذي فسق المعاصي التي لا توجب كفراً إنه في النار مخلد فيها.

قوله: (بل أمره للباري) أي: بل أمره وحكمه مردود للباري، إما أن يجازيه بذنبه، وإما أن يعفو عنه تبارك وتعالى.

قوله: (تحت مشيئة الإله النافذة) أي: تحت مشيئة الإله النافذة في خلقه، فلا يدخل تحت المشيئة إلا من كان موحداً.

قوله: (إن شا عفا عنه) يعني: عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة برحمته وفضله لذلك الإنسان، مهما ترى من إنسان مقيماً على المعاصي دعه وربه، نعم تنكر عليه وتنصحه لكن لا تتألى على الله، لا تقل له: أنت ستدخل جهنم، أو أنت من أهل النار، لا تقل هذا أبداً خشية أن يعاقبك الله أشد العقوبة، فلا يجوز أبداً أن ننظر إلى ذنوب الناس نظرة أننا أرباب، كما جاء في الأثر عن عيسى عليه السلام: (ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا فيها كأنكم عبيد، إنما الناس رجلان: مبتلى، ومعافى؛ فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية.

لكن كون الإنسان يتطاول ويستطيل على خلق الله بأنه يصلى والآخر لا يصلي وبأنه مستقيم والآخر مبتلى بالخمر أو بأي شي من هذه المعاصي، هذا لا ينبغي، نعم يجب عليك الإنكار بالقلب وباللسان أو اليد حسب الاستطاعة، لكن ليس معنى هذا أن تتحكم في رحمة الله: {قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء:100].

إذاً: أمور القلوب لا يعلمها ولا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالى؛ فرب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، فهي خير من طاعة أورثت عزة واستكباراً، كما قال بعض السلف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً، أحب إلى من أبيت قائماً وأصبح معجباً.

أي: بعمله، فالإنسان لا يغتر؛ لإن قلبك ليس في يدك إنما هو ملك الله سبحانه وتعالى يقلبه كيف يشاء، فلا تتطاول على عباد الله، من هنا كان خطر التمادي في قضية التكفير، فكون الإنسان دائماً يضع نفسه في موقع الحكم على خلق الله ومحاكمتهم وإدخالهم الجنة أو النار فهذا ليس إلينا، فينبغي الحذر من التمادي في هذا الباب، وإلا فإننا سوف ننازع الله تبارك وتعالى في صفات ربوبيته، وكأننا لا نرضى إلا بمحاكمة الناس طبقاً لما في قلوبهم، لا نرضى بظاهرهم.

الشاهد أنه يجب عليك أن تنكر المنكر حسب استطاعتك، لكن في نفس الوقت ليس لك شأن بالجنة والنار، لا تقل لفلان: أنت لست من أهل الجنة، وربنا سيدخلك النار، فإن هذا من التألي على الله، وعقوبته شديدة كما قدمنا.

ولا نقول إنه في النار مخلد بل أمره للباري تحت مشيئة الإله النافذه إن شا عفا عنه وإن شا أخذه بقدر ذنبه وإلى الجنان يخرج إن مات على الإيمان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابة: (بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف؛ فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له)، قوله: (من أصاب من ذلك شيئاً) يعني: غير الشرك مثل: السرقة والزنا والقتل إلى آخره.

قوله: (فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له) يعني: إذا أقيم الحد على الإنسان فهذه كفارته، ثم قال: (ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله عليه، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) يعني: إن شاء عفا عنه بمحض رحمته تبارك وتعالى.

قد يرتكب الإنسان ذنوباً صغيرة جداً، لكن جرأته على الله تبارك وتعالى واستهانته بهذه المعصية قد ترفعه إلى حد الكبيرة، وربما إنسان يرتكب كبيرة، لكن يقترن بهذه الكبيرة من الاستحياء من الله، والخوف من عذابه، والوجل من هيبته تبارك وتعالى قد يلحقها بالصغيرة، بل قد يعفو الله تبارك وتعالى عنها، فهذه أحوال القلوب لا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالى.

يقول عبادة: (فبايعناه على ذلك).

فيخرج من النار إن كان مات على الإيمان، كما جاء في حديث الشفاعة: (وأنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، بل يخرج منها برحمة أرحم الراحمين، ثم بشفاعة الشافعين).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015