وقوله: (يحب) هذه صفة فعلية وهي صفة المحبة، فالله سبحانه وتعالى يحب، وجاء ذلك مسنداً إلى أعيان وإلى أفعال، فمن الأعيان قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:76] ، وجاء بالسلب في قوله: {لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] هذا للأعيان.
وجاء مسنداً إلى الأفعال في قوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ} [النساء:148] هذا في النفي، وفي الإثبات مثل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) وقوله: (إن الله يحب إذا أنعم نعمة على عبده أن يرى آثارها عليه) وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} [الصف:4] لكن هذا يشملهما معاً فهو للذات والصفة؛ لأن المحبة للذوات هي بسبب الصفة، أي: بسبب فعل هذا الفعل؛ لأن الاسم الموصول مستلزم للصفة، معناه: أحبهم بسبب قتالهم في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، ولم يشتق من هذه الصفة اسم لله سبحانه وتعالى.
والمحبة بينها وبين الأمر عموم وخصوص فإن الله سبحانه وتعالى يحب أن يؤتى ما أمر به، ويكره أن يؤتى ما نهى عنه، لكنه يأمر بأشياء لا يقدرها أصلاً، وينهى عن أشياء ويقدرها فتقع.
وقد جاء إسناد المحبة إلى أشخاص بأعيانهم، فقد ورد في الحديث الذي أخرجه الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم، وهم علي بن طالب، والمقداد بن عمرو، وعمار بن ياسر، وبلال بن رياح) ، وكذلك صح في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) قال سفيان وهو سفيان بن عيينة أحد رواة هذا الحديث: ولا أراه إلا قال في البغض مثل ذلك.
أي: إن الله إذا أبغض عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم ينزل له الخذلان في الأرض فيبغضه الناس.