إثبات صفة الوجه واليدين ونحوها هو من باب التسليم والإيمان بالغيب

ومن هنا نعلم أن هذه الصفات إنما أخبرنا بها على وجه امتحان إيماننا بالغيب؛ لأن أصل إخبارنا بما لا يصل العقل إلى كيفه؛ إنما هو امتحان بالتفريق بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به، فالمزية ليست في الإيمان بالشهادة، إنما هي في الإيمان بالغيبيات التي تقصر دون تصورها العقول.

فإذا انطلق الإنسان من منطلق التسليم المطلق لكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يتصف بهذه الصفة الحميدة التي هي الإيمان بالغيب؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى -كما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم- يأتي أهل الجنة في صورة يوم القيامة فيقول: أنا ربكم فيقولون: لا لست بربنا، فيقول: وما الأمارة بينكم وبين ربكم؟ فيخبرونه أنه يكشف عن ساق، فيتجلى لهم في صورة أخرى، فيكشف عن ساق فيخرون له سجداً، ويقولون: أنت ربنا، وفي ذلك الوقت كل من لم يكن يسجد لله في الدنيا يجعل الله ظهره من نحاس فلا يستطيع السجود، وبهذا فسر قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42] وقد جاء في تفسير الآية غير هذا، كما صح عن ابن عباس: أن هذا مما تطلقه العرب على الشدة، فيقولون: (يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) أي: يشمر للأمر، وهذا يقتضي الشدة.

ولا مشاحة في الأمر؛ لأن الحديث ثابت في صحيح البخاري، والآية معناها محتمل له، فيمكن أن تفسر الآية على مقتضى الحديث، ويمكن أن تفسر على التفسير الذي فسره ابن عباس، فلا يتعين أن يكون هذا هو المقصود بالآية؛ لأن الحديث لم يقل: وهذا معنى قول الله تعالى، ولذلك يغلط بعض الناس في الكلام في هذه الآية، فالذي يعدها من آيات الصفات جزماً غلط؛ لأنه جاء في تفسيرها عن ابن عباس غير ذلك؛ ولذلك من ينكر على من فسرها بغير هذا، أو يجعله مؤولاً أو نحو ذلك غلط؛ لأن تفسيرها بهذا ثابت عن ابن عباس وغيره، لكن لا يقتضي ذلك نفي صفة الساق فإنها ثابتة في الحديث الذي ذكرناه.

[فالباب في الجميع واحد] أي: في صفات الله سبحانه وتعالى [واحد] .

(فما لنا فيها إلا الخبر) أي: فلا نستطيع أن نصل إلى كنهها، وما عرفنا أنه حي إلا بخبره، وما عرفنا أن له وجهاً إلا بخبره، فما الفرق بين اتصافه بالحياة وبين اتصافه بكونه ذا وجه؟! فالباب في الجميع واحد، وهو باب التسليم المطلق.

[فلا تكن معطلاً] أي: فلا تكن معطلاً لهذه الصفات نافياً لدلالتها، كمن يرى أن هذه الآيات التي جاءت فيها هذه الصفات أو أن الأحاديث التي ورد فيها ذلك هي من المتشابه الذي نؤمن بلفظه ونكف عن معناه، فهذا من تعطيلها عن دلالتها.

[ولا ممثلاً] : أي لا تكن مشبهاً أيضاً، فتظن أن اشتراك هذه الصفات مع صفات المخلوق أو أجزائه بالاسم يقتضي شبهاً، فليس الأمر كذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015