والصفات أياً كانت فإنها في إثباتها تقتضي عشر مقولات، هذه المقولات هي التي تسمى: مقولة الملك، ومقولة التملك، ومقولة الفعل، ومقولة الانفعال، ومقولة الكيف، ومقولة الكم، ومقولة الأين، ومقولة المتى، ومقولة الإضافة، ومقولة التصور، فهذه عشر مقولات وهي التي نظمها أحد المناطقة في قوله: زيد الطويل الأزرق ابن ملك في بيته بالأمس كان متكي في يده غصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوا فالكيف معناه: السؤال عن الهيئة.
والكم معناه: السؤال عن القدر.
والمتى معناه: السؤال عن الوقت.
والأين: السؤال عن المكان.
والتصور: السؤال عن الحقيقة.
ومقولة الملك معناها: السؤال عن الحيازة.
ومقولة الفعل معناها: السؤال عن التصرف.
ومقولة الانفعال معناها: السؤال عن التأثر.
ومقولة الإضافة معناها: السؤال عن نسبة غيره إليه.
وهذه المقولات لا يمكن إدراك أي تصور إدراكاً كاملاً إلا بها، ولكن فيما لا يمكن أن يحاط به في التصور لا يمكن أن يؤتى بجواب هذه المقولات؛ فلذلك لا توجه إليه سبحانه وتعالى فإنه لا يسأل عن كيفه، ولا عن كمه، ولا عن متاه، ولا عن أينه، وإذا سئل عن الأين فالمقصود بذلك إثبات صفة العلو فقط، دون أن يزعم أن له جهة تحده وتحيط به فالإحاطة في حقه ممنوعة؛ لأنه هو الذي خلق الجهات، وكذلك الكم لا يسأل عنه فهو الكبير المتعال ولا يمكن أن يتصور المخلوق كمه؛ لكن لا يقتضي هذا أن ننفي هذه المقولات أصلاً، فلا يقال: لا كيف له، أو لا كم له، أو لا أين له، أو لا متى له، لكن يقال: لا يحيط به شيء من هذه المقولات ولا نعلمها نحن.
لكن لو كشف الحجاب عنا فرأينا وجهه سبحانه وتعالى كما نرى القمر ليلة البدر لا نضام في رؤيته، فإن الكيف سيفهم بعضه، ولا يمكن أن تحيط به الرؤية لكن تعرف بعض الكيف؛ ولهذا فإن ما قاله الإمام أحمد فيما يتعلق بالكيف قال: (أمروها وأقروها ولا كيف ولا معنى) ، فمقصوده بلا كيف: لا تسألوا عن الكيف، ومقصوده بلا معنى: لا تخوضوا في معناها، وإلا فلها معنىً ولها كيف، ولذلك قال مالك رحمه الله للذي سأله عن الاستواء: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا صاحب سوء، فأخرجوه عني) فأثبت الكيف ونفى العلم به، فالكيف موجود لكن المعنى نجهله.
(فإن يقل جهميهم) أي: جهمي المعطلة المعترض منهم أياً كان (كيف استوى؟ كيف يجيء؟) أو يسأل عن كيف أي صفة من الصفات، (فقل له: كيف هو؟) أي: اسأله عن كيف ذاته فإنه سيبهت بذلك.